و اعلموا عباد اللَّه أنّ ما بعد القبر أشدّ من القبر يوم[1]يشيب فيه الصّغير و يسكر فيه الكبير و يسقط فيه الجنين وتَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا
أَرْضَعَتْ[2]،و احذروايَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً[3]يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً[4]أما انّ شرّ ذلك اليوم و فزعه استطار حتّى فزعت منه الملائكة الّذين
ليست لهم ذنوب، و السّبع الشّداد، و الجبال الأوتاد، و الأرضون المهاد،وَ انْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ
يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ[5]و تغيّرت[6]فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ[7]و كانت الجبال سرابا[8]بعد ما كانت صمّا صلابا يقول اللَّه سبحانه:وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ
مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ[9]فكيف بمن يعصيه بالسّمع و البصر و اللّسان و اليد و الرّجل و الفرج
و البطن ان لم يغفر اللَّه و يرحم.
و اعلموا عباد اللَّه أنّ ما بعد ذلك اليوم أشدّ و أدهى على من لم يغفر
اللَّه له من ذلك اليوم، [فانّه يقضى و يصير الى غيره، الى] نار قعرها بعيد و حرّها
شديد و عذابها جديد و شرابها صديد و مقامعها حديد[10]لا يفتر عذابها و لا يموت ساكنها، دار ليست للَّه سبحانه فيها رحمة
و لا يسمع فيها دعوة.
[2]في الأصل: «و
تذهل فيه المراضع»، مأخوذ من قول اللَّه تعالى في أول سورة الحج: «يوم
ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها و ترى الناس سكارى و ما هم
بسكارى و لكن عذاب اللَّه شديد».