لما عمّم اللّه تعالى جميع الخلق بالحجج الواضحة الدلالة على التوحيد
و النبوّة و المعاد، و ذكرّهم ما أنعم عليهم في أبيهم آدم عليه السّلام، و نبّههم
على مكامن خلقتهم و مبادي نشأتهم- عقّبها بإزالة شبه المنكرين و قمع أوهام
المعاندين بإقامة الحجّة على طائفة مخصوصين، و هم اليهود الذين كانوا بالمدينة،
لأنّهم أكثر الناس إنكارا للنبوّة، كما إنّ كفار قريش كانوا أكثر الناس إنكارا
للتوحيد. و قيل: الخطاب لليهود و النصارى، و هم جميعا من أهل الكتاب، المحجوبين عن
الدين، بل عن الحقّ مطلقا و اليقين.
فشرع أوّلا في ذكر الإنعامات الخاصّة على أسلاف اليهود و آبائهم،
تذكيرا لنعمه و عظيم مننه عليهم، و استمالة لقلوبهم، و تنبيها على ما يدلّ على
نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله من حيث إخباره عن المغيبات و الأحوال الماضية و
الأديان السابقة، ثمّ أمرهم بايفاء عهد اللّه من الإقرار بالربوبيّة، و الاعتراف
بتمام نعمته في بعثة نبيّه الخاتم للرسل، و انزال كتابه الجامع للكلم، و الحاوي
للحكم، المفصح المعرب عن كلّ دقيق و جليل، المصدّق لما بين أيديهم من التورية و
الإنجيل، ليكافيهم اللّه بايفاء عهدهم
نام کتاب : تفسیر القرآن الکریم نویسنده : الملا صدرا جلد : 3 صفحه : 171