ثمّ لا يبعد إرادة السكوت عمّا لا يجوز في ضمن ذلك، كما لا يخفى، و
لعلّ ذلك مقتضى القيام طائعين أو خاشعين، فيحتمل إرادة الذكر و الدعاء المقرونين
بالخشوع و الطاعة إلّا أنّ الظاهر أنّه مجاز فتدبر.
و قد استدلّ بها على وجوب القنوت في الصلوات كلّها، و شرعيّته فيها،
و فيه نظر لاحتمال الاختصاص بالوسطى كما قيل، و احتمال إرادة طائعين أو خاشعين، أو
إرادة الأذكار الواجبة في الصلاة كما قيل أيضا، و مع إطلاقه أيضا تبرئ الذمة بها،
كما لا يخفى فكونه بالمعنى الشائع عند الفقهاء محلّ تأمل فوجوبه في الصبح على
تقديره الوسطى أيضا محل نظر.
قيل و لأنّه أمر بالقيام فهو إمّا قيام حقيقي أو كناية عن الاشتغال
بالعبادة للّه في حال القنوت، فالواجب حينئذ هو القيام حال القنوت لا القنوت، و إن
احتمل حينئذ وجوب القنوت أيضا، إذ على تقدير تركه لم يوجد المأمور به، و هو القيام
حال القنوت، فوجوبه يستلزم وجوبه لكن وجوبه غير معلوم القائل و على تقديره يكون
مشروطا أى إن قنتّم فقوموا.
و فيه نظر أما أولا، فلأنّ الواجب حينئذ هو القيام قانتا، و وجوب
المقيد يستلزم وجوب القيد، فإنّه منتف عند انتفائه و ثانيا أنّ الظاهر أنّ كلّ من
قال بوجوب القنوت يوجبه قائماً مع الإمكان، نعم فهم وجوبه حينئذ مع عدم وجوب
القيام لعذر مشكل و ثالثا شتّان ما بين الشرط و الحال، خصوصا على تقدير كون القيام
مقيدا بالقنوت كما فرضه فتدبر.
قال شيخنا 1 دام ظله: الأصل عدم الوجوب، و هو مذهب الأكثر، و أنه ليس
في روايتي تعليم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الصلاة الأعرابيّ 2 و الصادق عليه
السّلام حمّاد بن عيسى و 1- انظر زبدة البيان ص 50 ط المرتضوي.
2- ترى روايات تعليم الأعرابي في كتب أهل السنة مع طرق الحديث و اختلاف
ألفاظه و شرح الحديث في نيل الأوطار ج 2 من ص 272- 276 و في فتح الباري ط مطبعة
البابى الحلبي ج 2 ص 419 الى ص 424 و تراه في كتب الشيعة في مستدرك الوسائل ج 1 ص
262 عن غوالي اللئالى و هو في جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 245 الرقم 2663 و رواه في
الذكرى مرسلا في المسئلة الاولى من مسائل الركوع.
و ترى حديث حماد في جامع أحاديث الشيعة ج 2 ص 341 الرقم 2255 و في
منتقى الجمان ج 1 ص 451 و في البحار ج 18 ص 182 و في الوسائل الباب 1 من أبواب
أفعال الحديث الحديث 1 و في الوافي ص 125 من الجزء الخامس و تطلع على مواضع اختلاف
ألفاظ الصلاة في مصادره بعد مراجعة البحار و المرآت و منتقى الجمان و انظر أيضا
تعاليقنا على مسالك الافهام ج 1 من ص 127 الى ص 130 و انظر أيضا تعاليقنا على
مسالك الافهام ج 1 من ص 206 الى ص 207 من عدم جواز التمسك بحديث تعليم الأعرابي
لنفى وجوب ما لم يذكر فيه فكذا حديث حماد.
و اما ما اشتمل حديث حماد على بعض المندوبات فقد عرفت في ص 36 كما
افاده المحقق النائيني أن الوجوب ليس قيدا في الموضوع له أو المستعمل فيه في الأمر
بل منشأ استفادة الوجوب حكم العقل بوجوب طاعة الأمر و هذا الحكم فيما لم يرخص في
تركه و يأذن في مخالفته فما يرد فيه الرخصة يكون واردا على حكم العقل و لذا ترى
الجمع بين الواجب و المندوب في اخبار كثيرة بصيغة واحدة و أمر واحد و أسلوب واحد
مع تعدد الأمر.