النجس: القذر، قيل في الأصل مصدر، و لذلك لا يثنّى و لا يجمع، و لا
يؤنّث و فيه نظر، و إذا استعمل مع الرجس كسر أوّله، يقال رجس نجس- بكسر أوّلهما و
سكون الجيم- و هو تخفيف، نحو كبد في كبد قاله الفراء و قرئ به شاذا قال في الكشاف
1 على تقدير حذف الموصوف كأنّه قيل: إنّما المشركون جنس رجس أو ضرب نجس، و أكثر ما
جاء تابعا لرجس.
لا يخفى أنّ هذا و ما تقدّم يقتضي أن يقدّر له الموصوف رجس فكأنّه
قيل إنّما المشركون رجس نجس، فيكون أبلغ و أفيد و أظهر، و ظاهر «إنّما» الحصر، فكأنّه قيل: ليس
المشركون إلّا نجسا، و الغرض المبالغة في نجاستهم، أو الحصر إضافيّ بالنسبة إلى
الطهارة، و الأوّل أبلغ، و إن كان كلاهما غير خارج عن مقتضى اللفظ و المقام.
و قال فخر الدين الرازي 2: حصر اللّه تعالى في هذه الآية الشريفة
النجاسة في المشركين، أي لا نجس غيرهم، و عكس بعض الناس ذلك، و قال لا نجس إلّا المسلم
حيث ذهب إلى أنّ الماء الذي استعمله المسلم في رفع الحدث مثل الوضوء و الغسل نجس،
بخلاف الماء الذي استعمله المشرك، فإنّه طاهر لعدم إزالة حدثه، و أراد به أبا
حنيفة فإنّه الذي ذهب الى ذلك كما هو المشهور، و فيه تعريض عظيم عليه، حيث قال:
إنّه عكس قول اللّه سبحانه.
لكن لا يخفى أنّ كلامه هو، أظهر في عكس قوله تعالى، لأنه سبحانه حصر
المشركين في النجاسة، و قد جعله هو حصر النجاسة في المشركين، فهو أولى بهذا
التشنيع، و إن توجّه نحوه على ابى حنيفة على أبلغ وجه، خصوصا على القول بأنّ الحصر
إضافيّ، فإنّ مفاده أنّ المشرك بصفة الشرك ليس له من صفتي الطهارة و 1- انظر
الكشاف ج 2 ص 261.
2- انظر تفسيره ج 16 ص 25 و ما نقله المصنف مضمون كلامه و ليس عين لفظه.