و قد أشير فيه و في قوله تعالى «وَلا تَبْسُطْها
كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً» إلى وجه الجمع بينهما و
بين ما يدلّ على مواساة الاخوان و التسوية، بل الإيثار كما روى عن علىّ عليه
السّلام و أهل بيته حتّى نزل فيهم «هَلْأَتى» و قوله تعالى «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ» أي حاجة.
«كَذلِكَ» بيانا مثل ذلك «يُبَيِّنُاللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ» و الحجج في أحكام الدين أو
و أمور الدنيا
«لَعَلَّكُمْتَتَفَكَّرُونَ» في الدنيا و الآخرة. إما
أن يتعلّق بيتفكّرون أي لعلّكم تتفكرون فيما يتعلق بالدارين، فتأخذون بما هو أصلح
لكم في الدارين فينتظم لكم أمر الدنيا و الآخرة كما بيّنت لكم أنّ العفو أصلح من
الجهد و الإسراف في النفقة، أو و أنّ الإثم في الخمر و الميسر أكثر من نفعهما، و
في تخصيص الإشارة بهذا نحو بعد، أو في الدارين فتؤثرون إبقاءهما و أكثرهما منافع
فتختارون الآخرة و تتركون الخمر و الميسر لإثمهما، و لا تتلوّثون بهما لمنافع زعم
الناس لهم، مع أنّ إثمهما أكبر، و لا تقصرون في الإنفاق بل تتسابقون فيه حيث قد
سهل عليكم. و إما إن يتعلّق بيبيّن على معنى يبيّن لكم الآيات في أمر الدارين و ما
يتعلّق بهما لعلّكم تتفكّرون.
و منها [في البقرة 254]يا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَ لا خُلَّةٌ وَ لا شَفاعَةٌ وَ الْكافِرُونَ هُمُ
الظَّالِمُونَ[1].
الأمر بظاهره يقتضي وجوب الإنفاق، و ظاهر أن ليس المراد بشيء ما
مطلقا فلا بدّ أن يكون إشارة إلى معين في الجملة، فعن السديّ أراد به الزكاة
المفروضة و ذلك لأنها أعرف النفقات و أهمّها.
و قيل أراد به الفرض مطلقا الزكوات و غيرها كالإنفاق على من وجبت
نفقته،
[1] قال في المجمع قرء ابن كثير و أبو
عمرو و يعقوب لا بيع فيه و لا خلة و لا شفاعة بالفتح فيها اجمع و في سورة إبراهيم
لا بيع فيه و لا خلال و في الطور لا لغو و لا تأثيم و قرء الباقون جميعها بالرفع
انظر ج 1 ص 359 و كذلك انظر روح المعاني ج 3 ص 4 و الحجة لابن خالويه ص 75.