فالذي عليه علماؤنا أربعة و عشرون ميلا ثمانية فراسخ مسيرة يوم، و به
قال الأوزاعيّ قال: و به قال عامّة العلماء، و أقلّ من ذلك إلى نصفه، إذا كان قصده
الرجوع في يومه أو قبل إقامة عشرة كذلك، و قيل: مع عدم قصد الرجوع بالتخيّر بينه و
بين الإتمام، و عند الشافعي ستّة عشر فرسخا مسيرة يومين، و في قول له مسيرة يوم، و
في آخر أربعة فراسخ، و عند أبي حنيفة أربعة و عشرون فرسخا مسير ثلاثة أيّام و
اعتبار الأربعة مطلقا أقرب إلى إطلاق الآية، و العموم المفهوم من إذا، لكن لم
يعتبرها الأكثر كذلك لمخالفتها لروايات كثيرة مع التصريح في بعضها باعتبار الرجوع
و لو قبل عشرة كما يقتضيه قصر الحاج من أهل مكة تأمل.
و أيضا ظاهر الآية أنّ مجرّد الخروج إلى السفر و صدق الضرب في الأرض
سبب للقصر، لكن حدّه أكثر الأصحاب بالوصول إلى موضع يخفى الأذان و الجدران لروايات
1، و قيل أيضا بمجرّد الخروج لبعض الروايات فتأمل.
و لا يخفى أنّ نفي الجناح يصحّ في الواجب و المستحبّ و المباح، بل في
المرجوح أيضا، فبالنظر إلى أنّ هذا قصر للصلاة التامّة الواجبة، و الأصل عدم
وجوبه، قال الشافعيّ بالتخيير، و نظرا إلى أنّ الروايات قد دلّت على شيوع ذلك في
فعل النبيّ و الصحابة 2 قال بأنّ القصر أفضل، و بالنظر إلى أنّ أقلّ الرخصة جوازه
مع المرجوحيّة قال أيضا بأنّ الإتمام أفضل، و أنت تعلم أنّ كلّ ذلك مع عدم الدليل
على وجوب القصر، أما معه فيتعيّن، فيكون عزيمة كما ذهب إليه أصحابنا، و هو مذهب
أهل البيت عليهم السّلام و عمر و ابن عمر و كثير من الصحابة و أبى حنيفة و أصحابه.
فعن عمر: صلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم 3 و عن
عائشة أوّل ما فرضت الصلاة فرضت ركعتين، فأقرّت في السفر، و زيدت في الحضر، و عن
1- انظر الباب 5 و 6 و 7 من أبواب صلاة المسافر من الوسائل.
2- انظر الكشاف ج 1 ص 558 و في الكاف الشاف ذيله تخريج هذه الروايات و
هي في كتب الشيعة كثيرة لا احتياج الى ذكر المصادر.
3- انظر الكشاف ج 1 ص 558 و تخريج الكاف الشاف ذيله.