فان قلت: فما تصنع بقوله «وَمَلائِكَتُهُ» و ما معنى صلاتهم؟ قلت: هي قولهم اللّهمّ صلّ على المؤمنين، جعلوا
لكونهم مستجابي الدعوة، كأنّهم فاعلون الرّحمة، أو الرأفة، و نظيره قولك حيّاك
اللّه أي أحياك و أبقاك، و حيّيتك أي دعوت لك بأن يحييك اللّه، لأنّك لاتّكالك على
إجابة دعوتك، كأنك تبقيه على الحقيقة، و كذلك عمرك اللّه و عمّرتك و عليه قوله
تعالى
«إِنَّاللَّهَ وَ مَلائِكَتَهُ» الآية أي أدعو اللّه بأن
يصلّي عليه.
ثمّ قال في تفسير الآية أي قولوا الصلاة على الرّسول، و السلام و
معناه الدّعاء بأن يترحم عليه اللّه و يسلّم، و نحو ذلك في الجوامع في قوله «هُوَالَّذِي يُصَلِّي
عَلَيْكُمْ»
أمّا هنا فقال: صلاة اللّه سبحانه ما يفعله به من إعلاء درجاته و رفع
منازله و تعظيم شأنه، و غير ذلك من أنواع كراماته، و صلاة الملائكة عليه مسئلتهم
اللّه عزّ اسمه أن يفعل به مثل ذلك «صَلُّواعَلَيْهِ» أي قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد و آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم و
آل إبراهيم انتهى.
و كأنه أورد هذا القول على طريق التمثيل و إشارة إلى أنّ الأولى
اتّباع المنقول فلا اختلاف و اللّه أعلم. و القاضي جعل الصلاة من الجميع بمعنى
الاعتناء بإظهار شرفه و تعظيم شأنه، و كأنّه لكونه قدرا مشتركا بين الجميع و سببا
للمعنى المشهور بالنّسبة إلى كلّ. و في الكنز 1 الصلاة و إن كانت من اللّه الرّحمة
فالمراد بها هنا هو الاعتناء بإظهار شرفه و رفع شأنه، و من هنا قال بعضهم تشريف
اللّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله بقوله «إِنَّاللَّهَ وَ
مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» أبلغ من تشريف آدم
بالسّجود له هذا.
و كأنّه لا نزاع أنّه يراد هنا طلب الصلاة من اللّه سبحانه بالقول،
قال القاضي:
اعتنوا أنتم أيضا فإنّكم أولى بذلك، و قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد،
و هو ظاهر الكنز أيضا.
إذا تقرّر ذلك فظاهر الآية وجوب الصلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه و
آله في الجملة: في 1- انظر كنز العرفان ج 2 ص 131 و تعاليقنا عليه.