على أنّ الظاهر من قوله «وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ» عدم سبق الفسق، بل و لا
ذنب، فكيف الكفر، و اللّه أعلم، و قيل إنّهم كانوا يخشون الأصنام و يرجونها، فأريد
نفي تلك الخشية.
تبعيد للمشركين عن مواقف الاهتداء و حسم لأطماعهم في الانتفاع
بأعمالهم الّتي استعظموها و افتخروا بها و أمّلوا عاقبتها، بأن الّذين آمنوا و
ضموا إلى إيمانهم العمل بالشرائع، مع استشعار الخشية و التقوى اهتداؤهم دائر بين
عسى و لعلّ، فما بال المشركين يقطعون أنّهم مهتدون و نائلون عند اللّه الحسنى.
و في هذا الكلام و نحوه لطف للمؤمنين في ترجيح الخشية و رفض الاغترار
باللّه كذا في الكشاف، و إنّما كان لطفا في ترجيح الخشية مع أنّ عسى هنا لترجيح
الاهتداء باعتبار أنّه لو لا رجحان الخشية على الرجاء كان ينبغي عند هذه الأعمال و
الاتّصاف بهذه الأوصاف القطع بالاهتداء.
اعلم أنّ عسى 1 يجوز أن يكون إشارة إلى حال المؤمنين، و أنّهم مع ذلك
في دعواهم للهداية و عدّ نفوسهم من المهتدين على هذا الحال، فما بال الكفّار
يقطعون لأنفسهم بالاهتداء.
ثمّ ذلك للمؤمنين إمّا أن يكون لرجحان الخشية و قوّتها أو على سبيل
التأدّب و التواضع لجناب ربّهم، أو نظرا منهم إلى مرتبة أعلى و درجة أسنى، أو
إشارة إلى أنّ حالهم في الواقع على ذلك بالنظر إلى الأوصاف المذكورة أى رجحان ذلك
في حقّهم فان مجرّد ذلك في كلّ مرتبة كان غير كاف في تمام الاهتداء و الاختتام به
و نيل ما عند اللّه من الدّرجات العالية.
نعم عسى أن يكون كذلك و لعلّ، فلا ينبغي القطع لهم بمجرّد ذلك، أو
أنّ 1- انظر تعاليقنا على هذا الجزء ص 35 و 36 في معنى عسى و لعل في القرآن.