يقاس المقام بقوله تعالىوَ كانَ اللَّهُ
سَمِيعاً عَلِيماً و أشباهه فإن «كان»
في هذه الموارد للاشارة الى انه كذلك منذ الأزل و من المعلوم ان
صفاته الأزلية أبدية ايضا لا يعتريها انقطاع و انقضاء و هذا المعلوم البديهي يصرف «كان» عن مفادها بخلاف هذه الآية
و لا أقل من انه لا يساق للمدح و التمجيد ما يعطي بظاهره الذم و التقريع [1] فالوجه أن تكون «كان»
في الآية تامة كقوله تعالىوَ إِنْ كانَ ذُو
عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ.
مأخوذة من الكون المطاوع للتكوين مثل قوله تعالى «كُنْفَيَكُونُ». و خير أمة حال من الضمير و
جملة أخرجت صفة للأمة بمعنى أظهرت للناس و أخرجت من العدم او الخفاء «المقام الثاني» ان كثيرا من
الموجودين حال نزول الآية لم يثبتوا على واجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. و
ان الأحوال المذكورة في مقتل عثمان و شؤونه و حربي البصرة و صفين تجعل شطرا وافيا
من كبار المهاجرين و الأنصار على غير صفات الآية و ان اعتذر عنهم بالخطإ في
الاجتهاد. و قد استفاض عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله او تواتر ان أقواما من
أصحابه في يوم القيامة يحال بينهم و بين رسول اللّه و ورود الحوض و ينادى بهم الى
النار فيقول رسول اللّه اصحابي فيقال انهم ارتدوا على اعقابهم القهقرى و في حديث
أبي هريرة فلا أرى يخلص منهم إلا مثل همل النعم كما رواه بالأسانيد المتعددة و
المعاني المتقاربة احمد في مسنده و البخاري و مسلم و ابن ماجه في جوامعهم و الحاكم
في مستدركه
[1] و حكى السيد في حقائق التأويل عن
الذين أرادوا التخلص مما ذكرنا لزومه لمفاد كان الناقصة أقوالا متفرقة. فعن بعض ان
كان زائدة و استشهد بقول الشاعر «على كان المسومة الجياد» و قول الاخر «و جيران لنا كانوا
كرام»: و عن بعض ان «كان»
بمعنى صار. و استشهد بقوله:
«قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها» أي صارت و قال السيد و الصحيح في
رواية هذا البيت «قد صارت فراخا بيوضها» أقول و ما أغرب حمل الآية الكريمة و كرامة
القرآن على هذين الوجهين الشاذين الواهيين: و عن بعض ان المعنى و كنتم إذ كنتم خير
أمة نحو ما كنت مذ كنت إلا نبيها رئيسا. أقول و مع هذا التحذلق البارد رجع هذا
القائل إلى كان التامة: و عن بعض ان المعنى كنتم في اللوح المحفوظ أو في كتب
الأنبياء المتقدمة. أقول و مع هذا التحكم و التخرص في تقدير الظرف لا ينفك عن
محذور كان الناقصة فهل خرجوا عن هذه الصفة من اللوح المحفوظ و كتب الأنبياء: و عن
بعض انه يقال لهم ذلك يوم القيامة و لا يضر انقطاع الصفة حينئذ أي و أما الذين
ابيضت وجوههم ففي رحمة اللّه هم خالدون، و يقال لهم حينئذ كنتم خير أمة. الآية. و
قال السيد في هذا الوجه فضل تعسف و استكراه أقول و من ذا الذي يرضاه لكرامة القرآن
و مجده