غاية الأمر : أنّ
المعنى الحقيقي لجهله به على نحو التعيين مشتبه في نظره ، فيتحرّى حينئذ في طلب
العلم بالمستعمل فيه ، وإذا حصل له ذلك العلم انكشف له كونه المعنى الحقيقي بحكم
الفرض الأوّل ، وهذا هو الملازمة بين الأصلين.
قلت
: علمه بالمستعمل
فيه لا بدّ له في نحو الصورة المفروضة من مستند ، وهو لا يخلو إمّا تنصيص المتكلّم
فيما بعد الخطاب بما هو مراده على التعيين ، أو تتبعه الكاشف عن أنّ استعمال هذا
اللفظ المتداول عند نوع أهل اللغة ما يقع على هذا المعنى المعيّن ، وأيّا ما كان ،
فالفرض على الوجه الأوّل ممّا يخرج المورد عن معقد أصالة الحقيقة المشخّصة للمراد
، لترددّ تنصيص المستعمل حينئذ في نظره بين كونه لمجرّد رفع الإبهام وإزالة
الاشتباه عن المعنى الحقيقي ، أو لنصب قرينة الدلالة الّتي يلزمها المجاز ، فهو
بعد على جهله في حال اللفظ ووصفه.
وعلى الوجه الثاني
ممّا يخرجه عن معقد أصالة الحقيقة بالمعنى المبحوث عنه ، لرجوع الاستعمال المفروض
بضميمة كونه مقصودا به الإفهام مع تجرّد اللفظ عن القرينة إلى ما هو ملزوم للحقيقة
، وأمارة واقعيّة للوضع وهو الاستعمال المأخوذ في عنوان المقام الأوّل المتقدّم
ذكره.
فالوجه في تأسيس
الأصل المبحوث عنه هو ما قرّرناه من الوجوه الثلاث.
لكن لك أن تقول :
بانحصار وجهه عند التحقيق في أوّل هذه الوجوه ، وهو بناء العرف وطريقة أهل اللسان
خاصّة ، لأنّه الّذي يكون النتيجة الحاصلة منه أصالة الحقيقة المعلّقة على عدم
قيام الأمارة بخلافها ، على معنى القاعدة المقتضية لإجراء أحكام الحقيقة إلى أن
يقوم أمارة بخلافها ، وأمّا الوجهان الأخيران فإنّما يفيدان الحقيقيّة الواقعيّة ،
فهما بأنفسهما ينهضان من أمارات الحقيقة ، ولا يعقل كونهما محرزين لهذا الأصل ،
لأنّهما على البيان المتقدّم رافعان لموضوع الأصل ، وقيام ما يرفع موضوع أصل مدركا
له ودليلا على تأسيسه غير معقول ، فالأصل المبحوث عنه ما يحرز بالوجه الأوّل فقط ،
وحينئذ لا بدّ من فرض المورد بحيث لا يتأتّى فيه الوجهان الآخران ، أو لا بدّ من
قطع النظر حين إجراء الأصل وإعماله عنهما على تقدير تأتّيهما وجريانهما في مجرى
الأصل.