لا خلاف في اشتراط
العلاقة في المجاز ، وهي التي اعتبر أهل اللغة نوعها ، وسيجيء [١] ذكر بعضها. وإنّما الخلاف في أنّه يشترط مع ذلك في آحاد المجازات أن ينقلها
أهل اللغة بأعيانها ، أم يكفي وجود العلاقة؟
ذهب فخر الدين
الرازي إلى الأوّل [٢] ، والأكثرون إلى الثاني. وهو الحقّ ؛ لأنّ آحاد المجازات
لو كانت نقليّة لما اكتفى أهل العربيّة في التجوّز بمجرّد العلاقات المعتبرة ، بل
كان اللازم عليهم أن يتوقّفوا حتّى يظفروا بالنقل ، والتصفّح يعطي خلاف ذلك ؛ فإنّ
من تتبّع كلماتهم المنظومة والمنثورة يعرف أنّهم لا يتوقّفون على النقل ، بل كانوا
يعدّون اختراع آحاد المجازات من البلاغة ، ولذلك لم يدوّنوا المجازات كما دوّنوا
الحقائق.
وأيضا الحقائق
الشرعيّة والعرفيّة مجازات لغويّة ، مع أنّ أهل اللغة لم يعرفوا المعاني الشرعيّة
والعرفيّة فضلا عن أن ينقلوها ويستعملوها.
واستدلّ المخالف :
بأنّه لو كانت العلاقة كافية لجاز إطلاق [٣] الأب على الابن
وبالعكس ؛ للسببيّة والمسبّبية ، والنخلة على الحبل الطويل ؛ للمشابهة ، والشبكة
للصيد وبالعكس ؛ للمجاورة ، وليس كذلك.
والجواب : أنّ عدم
الجواز فيها منصوص [٤] من أهل اللغة ، فالمقتضي فيها موجود ، والعدم باعتبار وجود
المانع ، والكلام فيما لم يوجد فيه مانع.
وبما ذكرنا ظهر
أنّ نقل الآحاد ليس شرطا ، ولكن يشترط وجود أحد أنواع العلاقات المعتبرة التي صرّح
بها أهل اللغة ، ولا يكتفى بمطلق العلاقة. ويظهر منه أنّ المجاز موضوع بالوضع
النوعي دون الشخصي.
[٤] في المحصول ١ :
٣٣٠ : « فلم لا يجوز أن يمنع الواضع منه في بعض المواضع دون البعض » فالنصّ أو
المانع محتمل لا مقطوع ، كما هو ظاهر كلام المصنّف رحمهالله.
والصحيح أن يقال : عدم الجواز فيها لعلّه منصوص ... والعدم باعتبار احتمال وجود
المانع. وبعبارة اخرى أنّ وجود الاحتمال يكفي في الجواب كما فعله الرازي.