ويتفرّع على هذا
الأصل : جواز وجود المجازات المعتبرة في كلام الشارع وإن لم ينقل آحادها من أهل
اللغة ، وجواز تكلّمنا بها في الأقارير والنذور والعهود والتعليقات ، وعدم جواز
التكلّم بالمجاز الذي لم يوجد فيه أحد أنواع العلاقات المعتبرة ، بل وجد فيه علاقة
غيرها ، لا [١] من الشارع ولا منّا.
فصل [١١]
لمّا عرفت [٢] أنّ الحقيقة اللفظ المستعمل فيما وضع له ، والمجاز اللفظ المستعمل في غير ما
وضع له ، تعلم أنّ اللفظ قبل الاستعمال فيهما لا يكون حقيقة ولا مجازا.
ثمّ لا شبهة في
أنّ الحقيقة لا تستلزم المجاز ، يعني إذا كان اللفظ حقيقة في معنى ، لا يلزم كونه
مجازا في معنى آخر ، وهذا ظاهر متّفق عليه ؛ لأنّ استعمال اللفظ في موضوعه لا
يستلزم استعماله في غيره بوجه من الوجوه ، والحقائق التي ليست لها مجازات كثيرة.
وأمّا العكس ،
أعني استلزام المجاز للحقيقة ـ بمعنى [٣] استعمال اللفظ في
غير ما وضع له وعدم استعماله فيما وضع له ـ ففيه خلاف. والحقّ عدم الاستلزام هنا
أيضا ؛ لأنّ المجاز لمّا كان لفظا مستعملا في غير ما وضع له ، فيستلزم تقدّم
الوضع. وأمّا تقدّم الاستعمال فيما وضع له ، فلا يستلزمه بوجه ، ولذا استعمل لفظ «
الرحمن » في معناه المجازي أعني ذا الرحمة القديمة ، ولا يجوز استعماله فيما وضع
له وهو ذو الرحمة مطلقا ، فثبت له المجاز دون الحقيقة.
واستدلّ المخالف :
بأنّه لو لم يستلزم المجاز الحقيقة ، لعرى الوضع عن الفائدة ؛ لأنّ المطلوب من
الوضع استفادة الموضوع له من اللفظ ، فإذا لم يستعمل فيه يكون عبثا [٤].
[٣] ظاهر العبارة هو
تفسير المجاز فقط دون استلزامه للحقيقة. والحقّ أن تفسّر الجملة بأن يقال : بمعنى
استلزام استعمال اللفظ في غير ما وضع له استعماله فيما وضع له. وبحذف « وعدم »
تستقيم العبارة.