لا تصلح للعلّيّة
، لا لعدم ظهور المناسبة ، بل لعدم النصّ من الشرع.
ومنها : أن تكون
وصفا ظاهرا منضبطا في نفسه ، ضابطا للحكمة ، أي جلب المصالح ودفع المفاسد. ولا
يجوز أن تكون حكمة مجرّدة مطلقا. هذا ما ذهب إليه الأكثر [١]. وقيل : يجوز مطلقا [٢]. وقيل : يجوز إذا كانت ظاهرة منضبطة ، ولا يجوز إذا كانت
خفيّة أو مضطربة [٣].
احتجّ الأكثر بأنّ
الحكمة المجرّدة إمّا خفيّة ، كالرضى في التجارة. أو غير منضبطة ، كالمشقّة ؛
فإنّها ذات مراتب ؛ إذ تختلف بالأشخاص والأحوال ، وليس كلّ مرتبة منها مناطا ، ولا
يمكن تعيين ما هو المناط ، والوقوف على المناط في الامور الخفيّة وغير المنضبطة
ممّا يتعذّر ، والتكليف به من غير التعيين يؤدّي إلى عسر وحرج ، مع أنّ المألوف من
عادة الشرع ردّ الناس إلى المظانّ الجليّة ، ولذا نيط الرضى في التجارة بصيغ
العقود ؛ لكونها ظاهرة ضابطة له ، والمشقّة بما يلازمها ويضبطها وهو السفر.
وبأنّه لو جاز
التعليل بالحكمة المجرّدة ، لوقع من الشارع ؛ لأنّ ربط الحكم بما هو المقصود
الأصلي أحرى من ربطه بمظنّة ، واللازم منتف بالاستقراء.
وبأنّه لو جاز ،
لم يعتبر الشرع المظانّ إذا خلت عن الحكمة ، واعتبر الحكمة وإن لم يتحقّق معها
مظنّتها ؛ إذ تحقّق المباينة لا يضرّه عدم المظنّة ، واللازم منتف ؛ لأنّه اعتبر
السفر وإن خلا عن المشقّة ، كسفر الملك المرفّة ، ولم يعتبر المشقّة إذا لم تحصل
من السفر ، كحضر أولي الصنائع الشاقّة من الحمّالين والملاّحين [٤].
والجواب عن الأوّل
: منع الحصر ؛ فإنّ بعض الحكم ظاهرة منضبطة. ولو سلّم فنقول ، تعيين المناط من
الحكمة غير المنضبطة ممكن للشارع ، ولو لم يمكن ، لم يمكن في
[١] حكاه الفخر
الرازي في المحصول ٥ : ٢٨٧ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢٢٤ و ٢٢٥ ،
والعلاّمة في تهذيب الوصول : ٢٦٧ ، والأسنوي في نهاية السؤل ٤ : ٢٦٠ ـ ٢٦٢.