فمنها : أن تكون
بمعنى الباعث ، أي مشتملة على حكمة مقصودة للشارع من تحصيل مصلحة أو تكميلها ، أو
دفع مفسدة أو تقليلها ، فالأمارة المجرّدة ـ أي الوصف الطرديّ الذي لا يناسب ولا
يشابه ـ لا تصلح للعلّيّة.
واحتجّوا عليه
بأنّ العلّة لو كانت أمارة لم يكن لها فائدة سوى تعريف الحكم ، فيلزم أن يكون
الحكم متفرّعا عليها ، مع أنّ العلّة متفرّعة عن الحكم ؛ لكونها مستنبطة منه ؛ إذ
لو كانت منصوصة أو مجمعا عليها لعرف الحكم بالنصّ أو الإجماع لا بها ، فيلزم الدور
[٢].
واجيب عنه ، بأنّ
العلّة تتفرّع على حكم الأصل ، والمتفرّع على العلّة إنّما هو الحكم في الفرع ،
فلا دور [٣].
أقول : ما يقتضيه
النظر هو أنّ الأمارة ـ أي الوصف الطرديّ ـ لعدم ظهور مناسبته للحكم لا يكون
علّيّته معلومة لنا ، إلاّ أنّه لا يمتنع أن يكون علّة شرعا ؛ لأنّ ظهور المناسبة
لكلّ أحد لا يشترط في علّيّة الوصف ، كما اشير إليه. نعم ، يلزم ظهورها لمن يجعله
علّة ، فيمكن أن يكون وصف مشتملا على حكمة يكون ذلك معلوما للشرع غير معلوم لنا ،
وحينئذ إذا تحقّق الطرد ـ أي ثبوت الحكم في أكثر المحالّ التي وجد فيها الوصف ـ يحصل
الظنّ بعلّيّته له ، كما تقدّم [٤] ، فعلى ما ذهب إليه العامّة من العمل بالأقيسة الظنّيّة [٥] يتأتّى قياس غيرها ـ ممّا وجد فيه هذا الوصف ـ عليها وإن لم يثبت فيه ترتّب
الحكم على الوصف من الشرع. وأمّا على ما ذهبنا إليه ، فالمناط النصّ على العلّيّة [٦] ، سواء كانت المناسبة معلومة أو لا ؛ فالأمارة
[١] راجع : المحصول
٥ : ١٢٧ ، والإحكام في أصول الأحكام ٣ : ٢١٥ ـ ٢٢١ ، وتهذيب الوصول : ٢٦٦.
[٢] قاله المطيعي في
سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل ٤ : ٥٨ ، والآمدي في الإحكام في أصول الأحكام
٣ : ٢٢٤.