وَ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ،عَنْ عَبْدَوَيْهِ بْنِ عَامِرٍ جَمِيعاً،عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ،عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ،عَنْ أَبِي بَصِيرٍ،أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا جَعْفَرٍ وَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)يَذْكُرَانِ جَبْرَئِيلَ: «أَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ قَالَ جَبْرَئِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ(عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ)تَرَوَّ [1] مِنَ الْمَاءِ.فَسُمِّيَتِ التَّرْوِيَةَ.ثُمَّ أَتَى مِنًى فَأَبَاتَهُ بِهَا،ثُمَّ غَدَا بِهِ إِلَى عَرَفَاتٍ فَضَرَبَ خِبَاءَهُ، بِنَمِرَةَ،دُونَ عَرَفَةَ،فَبَنَى مَسْجِداً بِأَحْجَارٍ بِيضٍ-وَ كَانَ يُعْرَفُ أَثَرُ مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ حَتَّى أُدْخِلَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ الَّذِي بِنَمِرَةَ،حَيْثُ يُصَلِّي الْإِمَامُ يَوْمَ عَرَفَةَ-فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَ الْعَصْرَ.
ثُمَّ غَدَا [2] بِهِ إِلَى عَرَفَاتٍ،فَقَالَ:هَذِهِ عَرَفَاتٌ،فَاعْرِفْ بِهَا مَنَاسِكَكَ،وَ اعْتَرِفْ بِذَنْبِكَ،فَسُمِّيَ عَرَفَاتٍ.ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ،فَسُمِّيَتِ الْمُزْدَلِفَةَ لِأَنَّهُ ازْدَلَفَ إِلَيْهَا،ثُمَّ قَامَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ،فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَذْبَحَ ابْنَهُ،وَ قَدْ رَأَى فِيهِ شَمَائِلَهُ،وَ خَلاَئِقَهُ،وَ آنَسَ مَا كَانَ إِلَيْهِ،فَلَمَّا أَصْبَحَ أَفَاضَ مِنَ الْمَشْعَرِ إِلَى مِنًى،فَقَالَ لِأُمِّهِ:زُورِي الْبَيْتَ أَنْتِ، وَ احْتَبَسَ الْغُلاَمَ،فَقَالَ:يَا بُنَيَّ هَاتِ الْحِمَارَ وَ السِّكِّينَ حَتَّى أُقَرِّبَ الْقُرْبَانَ».
فَقَالَ أَبَانٌ:فَقُلْتُ لِأَبِي بَصِيرٍ:مَا أَرَادَ بِالْحِمَارِ وَ السِّكِّينِ؟قَالَ:«أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَهُ،ثُمَّ يَحْمِلَهُ،فَيُجَهِّزَهُ وَ يَدْفِنَهُ».
قَالَ:«فَجَاءَ الْغُلاَمُ بِالْحِمَارِ وَ السِّكِّينِ،فَقَالَ:يَا أَبَتِ،أَيْنَ الْقُرْبَانُ؟فَقَالَ:رَبُّكَ يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ.يَا بُنَيَّ،أَنْتَ وَ اللَّهِ هُوَ،إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي بِذَبْحِكَ،فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى؟ قٰالَ يٰا أَبَتِ افْعَلْ مٰا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰابِرِينَ [3].قَالَ:فَلَمَّا عَزَمَ عَلَى الذَّبْحِ قَالَ:يَا أَبَتِ،خَمِّرْ وَجْهِي وَ شُدَّ وَثَاقِي.قَالَ:يَا بُنَيَّ،الْوَثَاقُ مَعَ الذَّبْحِ؟ وَ اللَّهِ لاَ أَجْمَعُهُمَا عَلَيْكَ الْيَوْمَ.قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ):فَطَرَحَ لَهُ قُرْطَانَ [4] الْحِمَارِ،ثُمَّ أَضْجَعَهُ عَلَيْهِ،وَ أَخَذَ الْمُدْيَةَ فَوَضَعَهَا عَلَى حَلْقِهِ،قَالَ:فَأَقْبَلَ شَيْخٌ،فَقَالَ:مَا تُرِيدُ مِنْ هَذَا الْغُلاَمِ؟قَالَ:أُرِيدُ أَنْ أَذْبَحَهُ،فَقَالَ:سُبْحَانَ اللَّهِ،غُلاَمٌ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ طَرْفَةَ عَيْنٍ،تَذْبَحُهُ!قَالَ:نَعَمْ،إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي بِذَبْحِهِ،فَقَالَ:بَلْ رَبُّكَ نَهَاكَ عَنْ ذَبْحِهِ،وَ إِنَّمَا أَمَرَكَ بِهَذَا الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِكَ.قَالَ:وَيْلَكَ،الْكَلاَمُ الَّذِي سَمِعْتُ هُوَ الَّذِي بَلَغَ بِي مَا تَرَى،لاَ وَ اللَّهِ لاَ أُكَلِّمُكَ.ثُمَّ عَزَمَ عَلَى الذَّبْحِ،فَقَالَ الشَّيْخُ:يَا إِبْرَاهِيمُ،إِنَّكَ إِمَامٌ يُقْتَدَى بِكَ،فَإِنْ ذَبَحْتَ وَلَدَكَ ذَبَحَ النَّاسُ أَوْلاَدَهُمْ،فَمَهْلاً.فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَهُ».
قَالَ أَبُو بَصِيرٍ:سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)يَقُولُ:«فَأَضْجَعَهُ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْوُسْطَى،ثُمَّ أَخَذَ الْمُدْيَةَ فَوَضَعَهَا عَلَى حَلْقِهِ،ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ،ثُمَّ انْتَحَى [5] عَلَيْهِ،فَقَلَبَهَا جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)عَنْ حَلْقِهِ،فَنَظَرَ إِبْرَاهِيمُ فَإِذَا هِيَ مَقْلُوبَةٌ،فَقَلَبَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَى حَدِّهَا،وَ قَلَبَهَا جَبْرَئِيلُ عَلَى قَفَاهَا،فَفَعَلَ ذَلِكَ مِرَاراً،ثُمَّ نُودِيَ مِنْ مَيْسَرَةِ مَسْجِدِ الْخَيْفِ: أَنْ يٰا إِبْرٰاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيٰا وَ اجْتَرَّ الْغُلاَمَ مِنْ تَحْتِهِ،وَ تَنَاوَلَ جَبْرَئِيلُ(عَلَيْهِ السَّلاَمُ)الْكَبْشَ مِنْ قُلَّةِ
[1] في«ي»و المصدر:تروّه.
[2] في نسخة من«ي،ط»و المصدر:عمد.
[3] الصافّات 37:102.
[4] القرطان:قيل:هو كالبرذعة يطرح تحت السرج.«لسان العرب 7:376».
[5] الانتحاء:الاعتماد و الميل.«الصحاح-نحا-6:2503».