أخيّة!
نسيت لي فضلي عليك! ويلك! أين تأديب الغناء و أين حقّ التعليم! أنسيت قول جميلة
يوما [و هي] [1] تطارحنا و هي تقول لك: خذي إحكام ما أطارحك من أختك سلّامة، و لن
تزالي بخير ما بقيت لك و كان/ أمركما مؤتلفا!. قالت: صدقت خليلتي! و اللّه لا عدت
إلى شيء تكرهينه؛ فما عادت لها إلى مكروه. و ماتت حبابة و عاشت سلّامة بعدها
دهرا.
احتال ابن
أبي عتيق على والي المدينة حتى جعله يسمع منها و يعدل عن إبعاد المغنين من المدينة
: أخبرني
الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب عن عبد
الرحمن بن المغيرة الحزاميّ الأكبر قال:
لمّا قدم عثمان
بن حيّان المرّيّ المدينة واليا عليها، قال له قوم من وجوه الناس: إنّك قد وليت
على كثرة من الفساد؛ فإن كنت تريد أن تصلح فطهّرها من الغناء و الزّنا. فصاح في
ذلك و أجلّ أهلها ثلاثا يخرجون فيها من المدينة. و كان ابن أبي عتيق غائبا، و كان
من أهل الفضل و العفاف و الصلاح. فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال: لا أدخل
منزلي حتى أدخل على سلّامة القسّ. فدخل عليها فقال: ما دخلت منزلي حتّى جئتكم
أسلّم عليكم. قالوا: ما أغفلك عن أمرنا! و أخبروه الخبر. فقال: اصبروا عليّ [2]
الليلة. فقالوا: نخاف ألّا يمكنك شيء و ننكظ [3]./ قال: إن خفتم شيئا فاخرجوا في
السّحر. ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيّان فأذن له، فسلّم عليه و ذكر له غيبته و
أنه جاءه ليقضي حقّه، ثم جزاه خيرا على ما فعل من إخراج أهل الغناء و الزّنا، و
قال: أرجو ألّا تكون عملت عملا هو خير لك من ذلك. قال عثمان: قد فعلت ذلك و أشار
به عليّ أصحابك. فقال: قد أصبت، و لكن ما تقول- أمتع اللّه بك- في امرأة كانت هذه
صناعتها و كانت تكره على ذلك ثم تركته و أقبلت على الصّلاة و الصيام و الخير، و
أتى رسولها إليك تقول: أتوجّه إليك و أعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و سلّم و مسجده؟
قال: فإنّي
أدعها لك و لكلامك. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، و لكن تأتيك و تسمع من
كلامها و تنظر إليها، فإن رأيت أنّ مثلها ينبغي أن يترك تركتها؛ قال نعم. فجاءه
بها و قال لها: اجعلي [4] معك سبحة و تخشعي ففعلت.
فلمّا دخل على
عثمان حدّثته، و إذا هي من أعلم الناس بالناس و أعجب بها، و حدّثته عن آبائه و
أمورهم ففكه لذلك. فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير فقرأت له؛ فقال لها احدي
له ففعلت، فكثر تعجّبه. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها! فلم يزل ينزله شيئا شيئا
حتى أمرها بالغناء. فقال لها ابن أبي عتيق: غنّي، فغنّت:
فغنّته؛ فقام
عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا و اللّه ما مثل هذه تخرج!. قال ابن أبي
عتيق: لا يدعك الناس، يقولون: أقرّ سلّامة و أخرج غيرها. قال: فدعوهم جميعا؛
فتركوهم جميعا.