أعقابكم
لأهل العراق و غيرهم ممّن لا يزال ينكر عليكم ما هو وارثه عنكم، لا ينكره عالمكم و
لا يدفعه عابدكم بشهادة شريفكم و وضيعكم يندب إليه كما يندب جموعكم و شرفكم و عزكم
[1]. فأكثر ما يكون عند عابدكم فيه الجلوس عنه لا للتحريم له لكن للزهد في الدنيا؛
لأن الغناء من أكبر اللذات و أسرّ النفوس من جميع الشهوات؛ يحيي القلب و يزيد في
العقل و يسرّ النفس و يفسح في الرأي و يتيسّر به العسير و تفتح به الجيوش و يذلّل
به الجبّارون حتى يمتهنوا أنفسهم عند استماعه، و يبرئ المرضى و من مات قلبه و عقله
و بصره، و يزيد أهل الثروة غنى و أهل الفقر قناعة و رضا باستماعه فيعزفون [2] عن
طلب الأموال. من تمسّك به كان عالما و من فارقه كان جاهلا؛ لأنه لا منزلة أرفع و
لا شيء أحسن منه؛ فكيف يستصوب تركه و لا يستعان به على النشاط في عبادة ربّنا عزّ
و جلّ. و كلام كثير غير هذا ذهب عن [3] المحدّث به، فما ردّ عليه أحد و لا أنكر
ذلك منهم بشر، و كلّ عاد بالخطإ على نفسه و أقرّ بالحق [4] له. ثم قال لجميلة:
أوعيت ما قلت و وقع من نفسك ما ذكرت؟ قالت: أجل و أنا أستغفر اللّه. قال لها:
فقال الشيخ:
حسن و اللّه! أمثل هذا يترك [6]! فيم نتشاهد الرجال! لا و اللّه و لا كرامة لمن
خالف الحقّ. ثم قام و قام الناس معه، و قال: الحمد للّه الذي لم يفرّق جماعتنا على
اليأس من الغناء و لا جحود فضيلته، و سلام عليك و رحمة اللّه يا جميلة.
وصف مجلس لها
غنت فيه و رقصت و غنى المغنون و رقصوا
: و قال أبو
عبد اللّه: جلست جميلة يوما و لبست برنسا طويلا، و ألبست من كان عندها برانس دون
ذلك، و كان في القوم ابن سريج، و كان قبيح الصّلع قد اتخذ وفرة شعر [7] يضعها على
رأسه، و أحبّت جميلة أن ترى صلعته.
فلما بلغ
البرنس إلى ابن سريج قال: دبّرت عليّ و ربّ الكعبة! و كشف صلعته و وضع القلنسية
على رأسه، و ضحك القوم من قبح صلعته؛ ثم قامت جميلة و رقصت و ضربت بالعود و على
رأسها البرنس الطويل و على عاتقها بردة يمانية و على القوم أمثالها، و قام ابن سريج
يرقص و معبد و الغريض و ابن عائشة و مالك و في يد كلّ واحد منهم عود يضرب به على
ضرب جميلة و رقصها؛ فغنّت و غنّى القوم على غنائها:
[1]
وردت هذه الجملة هكذا في الأصول، و هي غير واضحة.