الرّطبة
و اليابسة، ثم دعت بأنواع من الأشربة. فقال عمر: لا أشرب، و قال ابن أبي عتيق مثل
ذلك، فقال الأحوص:
لكنّني أشرب؛ و
ما جزاء جميلة أن يمتنع/ من شرابها!. قال عمر: ليس ذلك كما ظننته. قالت جميلة: من
شاء أن يحملني بنفسه و يخلط روحي بروحه شكرناه، و من أبى ذلك عذرناه، و لم يمنعه
ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه و الأنس بمحادثته. قال ابن أبي عتيق: ما يحسن
بنا إلا مساعدتك. قال عمر: لا أكون أخسّكم، افعلوا ما شئتم تجدوني سميعا مطيعا.
فشرب القوم أجمعون. فغنّت صوتا بشعر لعمر:
- لم يذكر طريقة لحنها في هذا الصوت. و ذكر
الهشاميّ أنّ فيه لابن المكّيّ رملا بالبنصر. و ذكر عليّ بن يحيى أنّ فيه لابن سريج
رملا بالوسطى- فصاح عمر: ويلاه! ويلاه! ثلاثا ثم عمد إلى جيب قميصه فشقّه إلى
أسفله فصار قباء، ثم آب إليه عقله فندم و اعتذر و قال: لم أملك من نفسي شيئا. قال
القوم: قد أصابنا كالذي [2] أصابك و أغمي علينا، غير أنّا فارقناك في تخريق
الثياب. فدعت جميلة بثياب فخلعتها على عمر، فقبلها و لبسها، و انصرف القوم إلى
منازلهم. و كان عمر نازلا على ابن أبي عتيق، فوجّه عمر إلى جميلة بعشرة آلاف درهم
و بعشرة أثواب كانت معه، فقبلتها جميلة. و انصرف عمر إلى مكة جذلان مسرورا.
حجت و معها
الشعراء و المغنون و المغنيات و وصف ركبها في مكة و في المدينة حين آبت من الحج
: قال إسحاق و
حدّثني أبي عن سياط و ابن جامع عن يونس قالا [3]: حجّت جميلة، و أخبرني/ إسماعيل
بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق/ ابن إبراهيم قال حدّثني أبي عن
سياط و ابن جامع عن يونس الكاتب، و أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد
الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي مصعب قالوا جميعا:
إنّ جميلة
حجّت- و قد جمعت رواياتهم لتقاربها، و أحسب الخبر كلّه مصنوعا و ذلك بيّن فيه-
فخرج معها من المغنّين مشيّعين حتى وافوا مكة و رجعوا معها من الرجال المشهورين
الحذّاق بالغناء هيت [4] و طويس و الدّلال و برد الفؤاد و نومة الضّحى و فند و
رحمة [5] و هبة اللّه- هؤلاء مشايخ و كلّهم طيّب الغناء- و معبد و مالك و ابن
عائشة و نافع بن طنبورة و بديح المليح و نافع الخير، و من المغنّيات الفرهة [و]
[6] عزّة الميلاء و حبابة و سلّامة و خليدة
[4] كذا في
الأصول و «المشتبه في أسماء الرجال»، و ذهب جماعة إلى أنه «هنب» (بالنون و الباء).
و قد رجح الأزهريّ أنه بالياء و التاء، و احتج برواية الشافعي له هكذا. (راجع
«القاموس و شرحه و اللسان» مادتي هنب و هيت).