فقالت: جميل ما
قلت و حسن ما نظمت، و إنّ صوتك يا مالك لممّا يزيد العقل قوّة و النفس طيبا و
الطبيعة سهولة، و ما أحسب أن مجلسنا هذا إلّا سيكون علما و في آخر الزمان متواصفا؛
و الخبر ليس كالمشاهدة، و الواصف ليس كالمعاين و خاصّة في الغناء.
زارها ابن
أبي عتيق و ابن أبي ربيعة و الأحوص فغنّتهم
: و حدّثني
الحسن بن عتبة اللّهبيّ قال حدّثني من رأى ابن أبي عتيق و ابن أبي ربيعة و الأحوص
بن محمد الأنصاريّ و قد أتوا منزل جميلة فاستأذنوا عليها فأذنت لهم، فلما جلسوا
سألت عمر و أحفت؛ فقال لها: إنّي قصدتك من مكة للسلام عليك. فقالت له: أهل الفضل
أنت. قال: و قد أحببت أن تفرّغي لنا نفسك اليوم و تخلي لنا مجلسك؛ قالت: أفعل. قال
لها الأحوص: أحبّ ألّا تغنّي إلّا ما أسألك. قالت: ليس المجلس لك، و القوم شركاؤك
فيه. قال: أجل. قال عمر: إن ترد أن تفعل ذلك بك يكن. قال الأحوص: كلّا!. قال عمر:
فإنّي أرى أن نجعل الخيار إليها. قال ابن أبي عتيق: وفّقك اللّه. فدعت بالعود و
غنّت:
فلقد سمعت
للبيت زلزلة و للدار همهمة. فقال عمر: للّه درّك يا جميلة! ما ذا أعطيت! أنت أوّل
الغناء و آخره!. ثم سكتت ساعة و أخذوا في الحديث، ثم أخذت العود و غنّت:
شطّت سعاد و أمسى البين قد أفدا
و أورثوك سقاما يصدع الكبدا
لا أستطيع لها هجرا و لا ترة
و لا تزال أحاديثي بها جددا
- الغناء فيه لسياط خفيف رمل مطلق في مجرى
الوسطى عن إسحاق. و لم يذكر حبش لحن جميلة. و ذكر إبراهيم أن فيه لحنا لحكم
الوادي. و ذكر الهشاميّ و ابن خرداذبه أنه من ألحان عمر بن عبد العزيز بن مروان في
سعاد [6] و أن طريقته من الثقيل الثاني بالوسطى. و ذكر إبراهيم أن لابن جامع فيه
أيضا صنعة- فاستخفّ [7] القوم أجمعين، و صفقوا بأيديهم و فحصوا بأرجلهم و حرّكوا
رءوسهم، و قالوا: نحن فداؤك من السوء و وقاؤك من المكروه، ما أحسن ما غنّيت و أجمل
ما قلت!. و أحضر الغداء فتغدّى القوم بأنواع من الأطعمة الحارّة و الباردة و من
الفاكهة