عليك
حقّا عظيما. [قالت: و ما [1] هو؟ قال:] ضربت إليك [آباط الإبل] [1] من مكة إرادة
التسليم عليك، فكان جزائي من ذلك تكذيبي و طردي و تفضيل جرير عليّ و منعك إيّاي أن
أنشدك شيئا من شعري، و بي ما قد عيل منه صبري، و هذه المنايا تغدو و تروح، و لعلّي
لا أفارق المدينة حتى أموت؛ فإذا أنا متّ فمري بي أن أدرج في كفني و أدفن في حر
هذه (يعني الجارية التي أعجبته). فضحكت سكينة و أمرت له بالجارية، فخرج بها آخذا
بريطتها [2]؛ و أمرت الجواري فدفعن في أقفيتهما، و نادته. يا فرزدق احتفظ بها و
أحسن صحبتها فإني آثرتك بها على نفسي.
حضر أعرابي
مائدة عبد الملك بن مروان و وصف له طعاما أشهى من طعامه ثم سأله عن أحسن الشعر
فأجاب من شعر جرير
: قال
المدائنيّ في خبره هذا و حدّثني أبو عمران بن عبد الملك بن عمير عن أبيه، و
حدّثنيه عوانة أيضا قالا:
/ صنع عبد
الملك بن مروان طعاما فأكثر و أطاب و دعا إليه الناس فأكلوا. فقال بعضهم: ما أطيب
هذا الطعام! ما نرى أن أحدا رأى أكثر منه و لا أكل أطيب منه. فقال أعرابيّ من
ناحية القوم: أمّا أكثر فلا، و أمّا أطيب فقد و اللّه أكلت أطيب منه، فطفقوا [3]
يضحكون من قوله. فأشار إليه عبد الملك فأدني منه؛ فقال: ما أنت بمحقّ فيما تقول
إلّا أن تخبرني بما يبين به صدقك. فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ بينا أنا بهجر [4]
في برث [5] أحمر في أقصى حجر [6]، إذ توفّي أبي و ترك كلّا [7] و عيالا، و كان له
نخل، فكانت فيه نخلة لم ينظر الناظرون إلى مثلها، كأن تمرها أخفاف الرّباع [8] لم
ير تمر قطّ أغلظ و لا أصلب و لا أصغر نوّى و لا أحلى حلاوة منه [9]. و كانت تطرقها
أتان وحشيّة قد ألفتها تأوي الليل تحتها، فكانت تثبت رجليها في أصلها و ترفع يديها
و تعطو [10] بفيها فلا تترك فيها إلا النّبيذ [11] و المتفرّق؛ فأعظمني ذلك و وقع
منّي كلّ موقع، فانطلقت بقوسي و أسهمي و أنا أظنّ أنّي أرجع من ساعتي؛ فمكثت يوما
و ليلة لا أراها، حتى إذا كان السّحر أقبلت، فتهيأت لها فرشقتها فأصبتها و أجهزت
عليها، ثم عمدت إلى سرّتها فاقتددتها [12]، ثم عمدت إلى حطب جزل فجمعته إلى رضف
[13] و عمدت إلى زندي فقدحت و أضرمت النار في ذلك الحطب، و ألقيت/ سرّتها فيه؛ و
أدركني نوم الشّباب [14] فلم يوقظني إلّا حرّ الشمس في ظهري؛ فانطلقت إليها
[5] كذا في
«البخلاء» طبع أوروبا ص 243، و البرث: الأرض اللينة السهلة، و منه في الحديث: «بين
الزيتون إلى كذا برث أحمر». و في الأصول: «ترب أحمر» و هو تصحيف.
[6] في أقصى
حجر أي في أبعد ناحية. و في «البخلاء»: «في طلوع القمر».
[7] الكل:
الثقل و العيال، الذكر و الأنثى في ذلك سواء، و ربما جمع على الكلول في الرجال و
النساء.
[8] الرباع:
جمع ربع (كمضر) و هو الفصيل ينتج في الربيع و هو أوّل النتاج، و الذي ينتج في آخر
النتاج يسمى هبع (بضم ففتح).