ثابت
بن عبد اللّه بن الزبير يقولان: قال عبد اللّه بن الزبير: أحاط بنا جرجير صاحب
إفريقية و هو ملك إفرنجة في عشرين ألفا و مائة ألف و نحن في عشرين ألفا؛ فضاق بالمسلمين
أمرهم و اختلفوا في الرأي، فدخل عبد اللّه بن سعد فسطاطه يخلو يفكّر. قال عبد
اللّه بن الزبير: فرأيت عورة من جرجير و الناس على مصافّهم، رأيته على برذون أشهب
خلف أصحابه منقطعا منهم، معه جاريتان له تظلّانه من الشمس بريش الطّواويس./ فجئت
فسطاط عبد اللّه فطلبت الإذن عليه من حاجبه؛ فقال: إنه في شأنكم و إنه قد أمرني أن
أمسك الناس عنه. قال: فدرت فأتيت مؤخّر فسطاطه فرفعته و دخلت عليه، فإذا هو مستلق
على فراشه؛ ففزع و قال: ما الذي أدخلك عليّ يا ابن الزبير؟ فقلت: إيه و إيه! كلّ
أزبّ نفور [1]! إني رأيت عورة من عدوّنا فرجوت الفرصة فيه و خشيت فواتها، فاخرج
فاندب الناس إليّ. قال:
و ما هي؟
فأخبرته؛ فقال: عورة لعمري! ثم خرج فرأى ما رأيت؛ فقال: أيها الناس، انتدبوا مع
ابن الزبير إلى عدّوكم. فاخترت ثلاثين فارسا، و قلت: إني حامل فاضربوا عن ظهري
فإني سأكفيكم من ألقى إن شاء اللّه تعالى.
فحملت في الوجه
الذي هو فيه و حملوا فذبّوا عنّي حتى خرقتهم [2] إلى أرض خالية، و تبيّنته فصمدت
[3] صمده؛ فو اللّه ما حسب إلا أني رسول و لا ظنّ أكثر أصحابه إلا ذاك، حتى رأى ما
بي من أثر السلاح، فثنى برذونه هاربا، فأدركته فطعنته فسقط، و رميت بنفسي عليه، و
اتّقت جاريتاه عنه السيف فقطعت يد إحداهما. و أجهزت عليه ثم رفعت رأسه في رمحي، و
جال أصحابه و حمل المسلمون في ناحيتي و كبّروا فقتّلوهم كيف شاءوا، و كانت
الهزيمة.
فقال لي عبد
اللّه بن سعد: ما أحد أحقّ بالبشارة منك، فبعثني إلى عثمان. و قدم مروان [4] بعدي
على عثمان/ حين اطمأنّوا و باعوا المغنم و قسّموه.
اشترى مروان
خمس فيء إفريقية بمال فوضعه عنه عثمان:
و كان مروان قد
صفق [5] على الخمس بخمسمائة ألف، فوضعها عنه عثمان، فكان ذلك مما تكلّم فيه بسببه.
فقال عبد
الرحمن بن حنبل [6] بن مليل- و كان هو و أخوه كلدة أخوي صفوان بن أميّة بن خلف
لأمه، و هي صفيّة بنت معمر بن حبيب [7] بن وهب بن حذافة بن جمح، و كان أبوهما ممن
سقط من اليمن إلى مكة-:
[1]
الأزب من الإبل: الذي يكثر شعر حاجبيه، و لا يكون الأزب إلا نفورا لأن الريح تضربه
فينفر. و هذا مثل يضرب في عيب الجبان.
قاله زهير بن
جذيمة لأخيه أسيد و كان أزب جبانا، و كان خالد بن جعفر بن كلاب يطلبه بذحل، و كان
زهير يوما في إبله يهنؤها و معه أخوه أسيد، فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل في أصحابه
فأخبر زهيرا بمكانهم فقال له زهير: كل أزب نفور. و إنما قال له هذا لأن أسيدا كان
أشعر (عن «مجمع الأمثال» للميداني).
[2] كذا في
أكثر الأصول. و في ب، س: «حتى حزقتهم» و هو تصحيف. و «عبارة البيان المغرب في
أخبار المغرب» لابن عذارى المراكشي: «خرقت صفوفهم ... إلخ».
[4] هو
الخليفة مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الملك الخليفة، و
هو ابن عم عثمان بن عفان رضي اللّه عنه و كاتبه؛ و من أجله كان ابتداء فتنة عثمان
رضي اللّه عنه و قتله. ثم انضم إلى ابن عمه معاوية ابن أبي سفيان و تولى عدة أعمال
إلى أن وثب على الأمر بعد أولاد يزيد بن معاوية و بويع بالخلافة؛ فلم تطل مدته و
مات في أول شهر رمضان سنة 65 ه.
[5] الصفق:
التبايع، و هو من صفق اليد على اليد عند وجوب البيع.
[6] كذا في ح
و الاستيعاب في ترجمة عبد الرحمن بن حنبل و أخيه كلدة بن حنبل. و في سائر الأصول:
«حسان» و هو تحريف.
[7] كذا في
«الاستيعاب» و «الطبقات الكبرى» لابن سعد (ج 5 ص 332 في ترجمة صفوان بن أمية). و
في جميع الأصول: «خبيب» بالخاء المعجمة، و هو تصحيف.
[8] في
«الاستيعاب» في ترجمة عبد الرحمن: «و أحلف» و في «البيان المغرب»: «سأحلف».