تقدّم أبو ذؤيب
جميع شعراء هذيل بقصيدته العينيّة التي يرثي فيها بنيه. يعني قوله:
أ من المنون و ريبه تتوجّع
و الدهر ليس بمعتب من يجزع
و هذه يقولها
في بنين له خمسة أصيبوا في عام واحد بالطاعون و رثاهم فيها. و سنذكر جميع ما يغنّى
فيه منها على أثر أخباره هذه.
خرج مع عبد
اللّه بن سعد لغزو إفريقية و عاد مع ابن الزبير فمات في مصر:
أخبرني الحسين
بن يحيى عن حمّاد بن إسحاق عن أبيه عن مصعب الزّبيريّ، و أخبرني حرميّ بن أبي
العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمّي قال:
كان أبو ذؤيب
الهذلي خرج في جند [1] عبد اللّه بن سعد [2] بن أبي سرح أحد بني عامر بن لؤيّ إلى
إفريقية سنة ستّ و عشرين غازيا إفرنجة في زمن عثمان. فلما/ فتح عبد اللّه بن سعد
إفريقية و ما والاها بعث عبد اللّه بن الزبير- و كان في جنده- بشيرا إلى عثمان/ بن
عفّان، و بعث معه نفرا فيهم أبو ذؤيب. ففي عبد اللّه يقول أبو ذؤيب:
فلما قدموا مصر
مات أبو ذؤيب [4] بها. و قدم ابن الزبير على عثمان، و هو يومئذ، في قول ابن
الزبير، ابن ستّ و عشرين سنة؛ و في قول الواقديّ ابن أربع و عشرين سنة. و بشّر عبد
اللّه عند مقدمه بخبيب بن عبد اللّه بن الزبير و بأخيه عروة بن الزبير، و كانا
ولدا في ذلك العام، و خبيب أكبرهما. قال مصعب: فسمعت أبي و الزبير بن خبيب بن
[1]
و كان ضمن جند عبد اللّه أيضا معبد بن العباس بن عبد المطلب و مروان بن الحكم بن
أبي العاص بن أمية و الحارث بن الحكم أخوه و المسور بن مخرمة بن نوفل و عبد الرحمن
بن زيد بن الخطاب و عبد اللّه بن عمر بن الخطاب و عاصم بن عمر و عبيد اللّه بن عمر
و عبد الرحمن بن أبي بكر و عبد اللّه بن عمرو بن العاص و بسر بن أبي أرطاة بن
عويمر العامري. (راجع «فتوح البلدان» للبلاذري).
[2] هو عبد
اللّه بن سعد بن أبي سرح العامري، و كان يكتب الوحي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و
سلم فارتدّ عن الإسلام و لحق بالمشركين بمكة. و كان معاوية بن أبي سفيان بمكة قد
أسلم و حسن إسلامه فاتخذه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كاتبا للوحي بعد ابن
أبي سرح. فلما فتح النبي صلى اللّه عليه و سلم مكة استجار عبد اللّه بن سعد بدار
عثمان رضي اللّه عنه فأخذ له عثمان الأمان من النبي صلى اللّه عليه و سلم. و كان
ابن أبي سرح أخا لعثمان من الرضاعة، فحسن إسلامه من ذلك الوقت. فلما أفضت الخلافة
إلى عثمان رضي اللّه عنه ولاه على ملك مصر و جندها سنة 25 ه فكان يبعث المسلمين في
جرائد الخيل فيغيرون على أطراف إفريقية. فكتب إلى عثمان يخبره بما نال المسلمون من
عدوهم، فكان ذلك السبب في توجيه الجيش إليه و تقديمه عليه و دخوله به للغزو إلى
إفريقية.
[3] كذا ورد
هذا البيت في «شرح ديوان أبي ذؤيب» و قبله شعر يدل على هجر محبوبته له و إعراضها
عنه إلى غيره. يقول: فإن استبدلت بي إنسانا فاستبدلي بي مثل هذا الصاحب. و الضراء:
ما واراك من شجر. و السيد: الذئب. و أخبث ما يكون من الذئاب سيد الضراء الذي
تعوده. و قد صححه الأستاذ الشنقيطي بهذه الرواية في هامش نسخته. و في الأصول: «و
صاحب صدق كسيد الغضي ...
إلخ».
[4] في «فتوح
البلدان» للبلاذري (ص 226 طبع أوروبا): أن أبا ذؤيب توفي بإفريقية فقام بأمره ابن
الزبير حتى واراه في لحده. و رواية البلاذري تنفق مع ما ذكره ابن قتيبة في «طبقات
الشعراء» (ص 413 طبع أوروبا) و ابن الأثير في «الكامل» (ج 3 ص 70 طبع أوروبا) و
ابن حجر في «الإصابة» (ج 7 ص 63 طبع مطبعة السعادة). و سيذكر المؤلف في هذه
الترجمة أنه مات بأرض الروم و دفن بها.