لا و
اللّه ما هو هذا، و لقد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. ففعل مثل ذلك بيحيى؛ فقال له
يحيى و هو يضحك: أ ما ظفرت بزينبك بعد؟ فقال: لا و اللّه يا أبا عثمان، و ما أشكّ
في أنك تعتمدني بالمنع مما أريده، و قد أخذت كل [1] شيء عندي معابثة. فضحك يحيى و
قال: قد استحييت منك الآن، و أنا ناصحك على شريطة؛ قال: نعم، لك الشريطة؛ قال: لا
تلمني في أن أعابثك لأنك أخذت في معابثتي، و المطلوب إليه أقدر من الطالب، فلا
تعاود/ أن تحتال عليّ فإنك تظفر منّي بما تريد، إنما دسّك إبراهيم بن المهديّ عليّ
لتأخذ مني صوتا غنّيته، فسألني إعادته فمنعته بخلا عليه لأنه لا يلحقني منه خير و
لا بركة، و يريد أن يأخذ غنائي باطلا، و طمع بموضعك أن تأخذ الصوت بلا ثمن و لا
حمد؛ لا و اللّه إلا بأوفر ثمن و بعد اعترافك، و إلا فلا تطمع في الصوت. فقال له:
أمّا إذ فطنت فالأمر و اللّه على ما قلت، فتغنّيه الآن بعينه على شرط أنه إن كان
هو هو و إلا فعليك إعادته، و لو غنّيتني كلّ شيء تعرفه لم أحتسب لك إلا به؛ قال:
اشتره. فتساوما طويلا و ماكسه [2] حتى بلغ الصوت ألف درهم، فدفعها إليه؛ و ألقى
عليه:
صوت
طرقتك زينب و المزار بعيد
بمنى و نحن معرّسون هجود
فكأنما طرقت بريّا روضة
أنف تسحسح مزنها و تجود
- لحنه خفيف ثقيل. قال: و هو صوت كثير العمل،
حلو النّغم، محكم الصّنعة، صحيح القسمة، حسن المقاطع- فأخذه و بكّر إلى إبراهيم بن
المهديّ، فقال له: قد أفقرني هذا الصوت و أعراني، و أبلاني بوجه يحيى المكي و شحّه
و طلبه و شرهه، و حدّثه بالقصّة؛ فضحك إبراهيم. و غنّاه إياه، فقال: هذا أبيك هو
بعينه. فألقاه عليه حتى أخذه، و أخلف عليه كلّ شيء أخذه يحيى منه و زاده خمسة
آلاف درهم، و حمله على برذون أشهب فاره بسرجه و لجامه. فقال له: يا سيّدي؛ فغلامك
زرزور المسكين قد تردّد عليه حتى ظلع [3]، هب له شيئا، فأمر له بألف درهم.
غنى للأمين
لحنا أراد المغنون أخذه عنه فأبى:
حدّثني جحظة
قال حدّثني هبة اللّه بن إبراهيم بن المهديّ قال حدّثتني ريّق و شارية/ جميعا
قالتا:
كان مولانا-
تعنيان أبي- في مجلس محمد الأمين يوما و المغنّون حضور، فغنّى يحيى المكي- و اللحن
له خفيف ثقيل-:
[1]
كذا في أ، ء، م. و في سائر الأصول: «و قد أخذت في كل ... إلخ». و الظاهر أن «في»
مقحمة.
[2] في
الأصول: «و ماكسه أبي حتى بلغ ... إلخ». و راوي القصة هو زرزور غلام المارقي لا
ابنه. فلعل كلمة «أبي» مقحمة من النساخ. و ماكسه في البيع: شاحه و استحطه الثمن و
استنقصه إياه.