هؤلاء
السّفل إن جئناهم نكارمهم [1] تغافلوا عنا، و إن أعطونا النّزر اليسير منّوا به
علينا و عابونا، فمن يلومني أن أشتمهم؟ فقلت: ما عليك لوم./- قال: فقال له يحيى: و
أيّ شيء العوض إذا ألقيت عليك هذا الصوت؟ قال:
ما تريد؛ قال:
هذه الزّربيّة [2] الإرمينيّة، كم تقعد عليها! أ ما آن لك أن تملّها؟ قال: بلى، و
هي لك. قال: و هذه الظباء الحرميّة، و أنا مكيّ لا أنت، و أنا أولى بها؛ قال: هي
لك، و أمر بحملها معه. فلما حصلت له، قال المارقيّ: يا غلام، هات العود؛ قال يحيى:
و الميزان و الدراهم، و كان لا يغنّي أو يأخذ خمسين درهما، فأعطاه إيّاها؛ فألقى
عليه قوله:
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب
و قل إن تملّينا فما ملّك القلب
- و لحنه لكردم ثقيل أول- فلم يشكّ المارقيّ
أنه قد أخذ الصوت الذي طلبه إبراهيم و أدرك حاجته. فبكّر إلى إبراهيم و قد أخذ
الصوت، فقال له: قد جئتك بالحاجة. فدعا بالعود فغنّاه إياه؛ فقال له: لا و اللّه
ما هو هذا، و قد خدعك، فعاود الاحتيال عليه. فبعثني إليه و بعث معي خمسين درهما.
فلما دخل إليه و أكلا و شربا قال له يحيى:
قد واليت بين
دعواتك لي، و لم تكن برّا و لا وصولا، فما هذا؟ قال: لا شيء و اللّه إلا محبتي
للأخذ عنك و الاقتباس منك؛ فقال: سرّك اللّه، فمه. قال: تذكرت الصوت الذي سألتك
إياه فإذا ليس هو الذي ألقيت عليّ. قال: فتريد ما ذا؟ قال: تذكر الصوت. قال: أفعل،
ثم اندفع فغنّاه:
- و الغناء لمعبد ثقيل أول- فقال له: نعم،
فديتك يا أبا عثمان، هذا هو، ألقه عليّ؛ قال: العوض؛ قال: ما شئت؟ قال: هذا المطرف
الأسود؛ قال: هو لك. فأخذه/ و ألقى عليه هذا الصوت حتى استوى له، و بكّر إلى
إبراهيم؛ فقال له: ما وراءك؟ قال: قد قضيت الحاجة؛ فدعا له بعود فغنّاه؛ فقال:
خدعك و اللّه، ليس هذا هو؛ فعاود الاحتيال عليه، و كلّ ما تعطيه إياه ففي ذمّتي.
فلما كان/ اليوم الثالث بعث بي إليه، فدعوته و فعلنا مثل فعلنا بالأمس. فقال له
يحيى: فما لك أيضا؟ قال له: يا أبا عثمان، ليس هذا الصوت هو الذي أردت؛ فقال له:
لست أعلم ما في نفسك فأذكره، و إنما عليّ أن أذكر ما فيه زينب من الغناء كما
التمست حتى لا يبقى عندي زينب البتة إلا أحضرتها؛ فقال: هات على اسم اللّه؛ قال:
اذكر العوض؛ قلت: ما شئت؛ قال: هذه الدّراعة [4] الوشي التي عليك؛ قال: فخذها و
الخمسين الدرهم، فأحضرها. فألقى عليه- و الغناء لمعبد ثقيل أول-:
فأخذه منه و
مضى إلى إبراهيم، فصادفه يشرب مع الحرم؛ فقال له حاجبه: هو متشاغل؛ فقال: قل له:
قد جئتك بحاجتك. فدخل فأعلمه؛ فقال: يدخل فيغنّيه في الدار و هو قائم، فإن كان هو
و إلا فليخرج، ففعل؛ فقال:
[1]
كذا في أ، ء، م. و كارمه: أهدى إليه ليكافئه و يثيبه. و في سائر الأصول: «مكارهة»
و هو تحريف.
[2] كذا في
أكثر الأصول. و الزربية: واحدة الزرابيّ و هي البسط، و قيل كل ما بسط و اتكئ عليه.
و في ح: «الزلية» و الزلية (بضم الزاي و تشديد اللام المكسورة): البساط، معرب
«زيلو» بالفارسية، و جمعها زلالي.