قال: فغنّى
أحمد النّصبيّ في بعض هذه الأبيات، و جارية لسليم في السطح، فسمعت الغناء، فنزلت
إلى مولاها و قالت: إني سمعت من أضيافك شعرا ما سمعت أحسن منه؛ فخرج معها مولاها
فاستمع حتى فهم، ثم نزل فدخل عليهما، فقال لأحمد: لمن هذا الشعر و الغناء؟ و من
أنتما؟ فقال: الشعر لهذا، و هو أبو المصبّح أعشى همدان، و الغناء لي، و أنا أحمد
النّصبيّ الهمداني؛ فانكبّ على رأس أعشى همدان فقبّله و قال: كتمتماني أنفسكما، و
كدتما أن تفارقاني و لم أعرفكما، و لم أعلم خبركما، و احتبسهما شهرا ثم حملهما على
فرسين، و قال: خلّفا عندي ما كان من دوابكما، و ارجعا من مغزاكما إليّ. فمضيا إلى
مغزاهما، فأقاما حينا ثم انصرفا، فلما شارفا منزله قال أحمد للأعشى: إني أرى عجبا!
قال: و ما هو؟ قال: أرى فوق قصر سليم ثعلبا؛ قال: لئن كنت صادقا فما بقي في القرية
أحد. فدخلا القرية،/ فوجدا سليما و جميع أهل القرية قد أصابهم الطاعون، فمات
أكثرهم و انتقل باقيهم.
هكذا ذكر
إسحاق، و ذكر غيره: أن الحجاج طالب سليما بمال عظيم، فلم يخرج منه حتى باع كل ما
يملكه، و خربت قريته و تفرّق أهلها؛ ثم باعه الحجاج عبدا، فاشتراه بعض أشراف أهل
الكوفة، إما أسماء بن خارجة و إما بعض نظرائه، فأعتقه.
نسبة هذا
الصوت الذي قال الأعشى شعره [2] و صنع أحمد النصبيّ لحنه في سليم
صوت
يا أيها القلب المطيع الهوى
أنّى اعتراك الطرب النازح
تذكر جملا فإذا ما نأت
طار شعاعا قلبك الطامح
/ أعطيت ودّي و ثنائي معا
و خلّة ميزانها راجح
إني تخيرت امرأ ماجدا
يصدق في مدحته المادح
سليم ما أنت بنكس و لا
ذمّك لي غاد و لا رائح
نعم فتى الحيّ إذا ليلة
لم يور فيها زنده القادح
و راح بالشّول إلى أهلها
مغبرّة أذقانها كالح
و هبّت الريح شآمية
فانجحر القابس و النابح
الشعر لأعشى
همدان. و الغناء لأحمد النّصبي، و لحنه ثاني ثقيل بالسبّابة في مجرى الوسطى عن
إسحاق.
و ذكر يونس أن
فيه لمالك لحنا و لسنان الكاتب لحنا آخر.
[1]
الجمرة: القبيلة فيها ثلاثمائة فارس، و قيل: ألف. أو هي كل قوم يصبرون لقتال من
قاتلهم لا يحالفون أحدا و لا ينضمون إلى أحد، تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لقراع
القبائل كما صبرت عبس لقبائل قيس. و الناضح: المدافع الرامي.
[2] كذا في
ح. و في سائر الأصول: «الذي قاله الأعشى في شعره ... إلخ» و هو تحريف.