فقال: است [1] أخيك أضيق من ذلك. و زعم مقاتل: أنّ همّاما كان اخى
مهلهلا و كان عاقده ألّا يكتمه شيئا؛ فكانا جالسين، فمرّ جسّاس يركض به فرسه مخرجا
فخذيه؛ فقال همّام: إنّ له لأمرا، و اللّه ما رأيته كاشفا فخذيه قطّ في ركض؛ فلم
يلبث إلا قليلا حتى جاءته الخادم فسارّته أنّ جسّاسا قتل كليبا؛ فقال له مهلهل: ما
أخبرتك؟ قال:
أخبرتني أن أخي
قتل أخاك؛ قال: هو أضيق استا من ذلك. و تحمّل القوم، و غدا مهلهل بالخيل.
و قال المفضّل
في خبره: فلما قتل كليب قالت بنو تغلب بعضهم لبعض: لا تعجلوا على إخوتكم حتى
تعذروا بينكم و بينهم؛ فانطلق رهط من أشرافهم و ذوي أسنانهم حتى أتوا مرّة بن
ذهل،/ فعظّموا ما بينهم و بينه، و قالوا له:
اختر منّا
خصالا: إمّا أن تدفع إلينا جسّاسا فنقتله بصاحبنا فلم يظلم من قتل قاتله، و إمّا
أن تدفع إلينا همّاما، و إمّا أن تقيدنا من نفسك؛ فسكت، و قد حضرته وجوه بني بكر
بن وائل فقالوا: تكلّم غير مخذول؛ فقال: أمّا جسّاس فغلام حديث السنّ ركب رأسه
فهرب حين خاف فلا علم لي به، و أمّا همّام فأبو عشرة و أخو عشرة [2]، و لو دفعته
إليكم لصيّح [3] بنوه في وجهي و قالوا: دفعت أبانا للقتل بجريرة غيره؛ و أمّا أنا
فلا أتعجل الموت، و هل تزيد الخيل على أن تجول جولة فأكون أوّل قتيل! و لكن هل لكم
في غير ذلك؟ هؤلاء بنيّ، فدونكم أحدهم فاقتلوه به، و إن شئتم فلكم ألف ناقة
تضمنها/ لكم بكر بن وائل؛ فغضبوا و قالوا: إنّا لم نأتك لترذل [4] لنا بنيك و لا
لتسومنا اللبن؛ فتفرّقوا، و وقعت الحرب. و تكلّم في ذلك عند الحارث بن عباد، فقال:
«لا ناقة لي في هذا و لا جمل»، و هو أوّل من قالها و أرسلها مثلا.
يوم عنيزة:
قالوا جميعا:
كانت حربهم أربعين سنة، فيهنّ خمس وقعات مزاحفات، و كانت تكون بينهم مغاورات [5]،
و كان الرجل يلقى الرجل و الرجلان الرجلين و نحو هذا. و كان أوّل تلك الأيام يوم
عنيزة، و هي عند فلجة، فتكافئوا فيه لا لبكر و لا لتغلب؛ و تصديق ذلك قول مهلهل:
[4] كذا في
ط، ء و أمثال العرب للمفضل الضبي، و فسرها بقوله: «أي تعطينا رذال بنيك». و رذال
الشيء (بالضم): أردؤه. و في باقي الأصول: «لتؤدّي لنا بنيك»، و هو تحريف.
[6] فسر أبو
علي القالي في «أماليه» (ج 2 ص 134 طبعة دار الكتب المصرية) «حجرا» بأنها قصبة
اليمامة، و ضبطها «القاموس» بالفتح، و وردت مضبوطة في ط بالضم، و حجر (بالضم):
موضع باليمن. و الصليل: الصوت. و الذكور: السيوف.