ولي يزيد بن عبد الملك، كتب في أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم و في الأحوص،
فحملا إليه، لما بين أبي بكر و الأحوص من العداوة؛ و كان أبو بكر قد ضرب الأحوص و
غرّبه إلى دهلك و أبو بكر مع عمر بن عبد العزيز، و عمر إذ ذاك على المدينة. فلمّا
صارا بباب يزيد أذن للأحوص، فرفع أبو بكر يديه يدعو، فلم يخفضهما حتى خرج الغلمان
بالأحوص ملبّبا [1] مكسور الأنف، و إذا هو لمّا دخل على يزيد/ قال له: أصلحك
اللّه! هذا ابن حزم الذي سفّه رأيك و ردّ نكاحك. فقال يزيد: كذبت! عليك لعنة اللّه
و على من يقول ذلك! اكسروا أنفه، و أمر به فأخرج ملبّبا.
قصته مع عبد
الحكم بن عمرو الجمحي:
أخبرني الحرميّ
قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عبد الرحمن بن عبد اللّه عن عبد اللّه بن/ عمرو [2]
الجمحيّ قال:
كان عبد الحكم
[3] بن عمرو بن عبد اللّه بن صفوان الجمحيّ قد اتّخذ بيتا فجعل فيه شطرنجات و
نردات و قرقات [4] و دفاتر فيها من كلّ علم، و جعل في الجدار أوتادا، فمن جاء علّق
ثيابه على وتد منها، ثم جرّ دفترا فقرأه، أو بعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم.
قال: فإنّ عبد الحكم يوما لفي المسجد الحرام إذا فتى داخل من باب الحنّاطين، باب
بني جمح، عليه ثوبان معصفران مدلوكان و على أذنه ضغث [5] ريحان و عليه ردع [6]
الخلوق، فأقبل يشقّ الناس حتى جلس إلى عبد الحكم بن عمرو بن عبد اللّه؛ فجعل من
رآه يقول: ما ذا صبّ عليه من هذا! أ لم يجد أحدا يجلس إليه غيره! و يقول بعضهم:
فأيّ شيء يقوله له عبد الحكم و هو أكرم من أن يجبه من يقعد إليه! فتحدّث إليه
ساعة ثم أهوى فشبّك يده في يد عبد الحكم و قام يشقّ المسجد حتّى خرج من باب
الحنّاطين- قال عبد الحكم:
فقلت في نفسي:
ما ذا سلّط اللّه عليّ منك! رآني معك نصف الناس في المسجد و نصفهم في الحنّاطين-
حتّى دخل مع عبد الحكم بيته، فعلّق رداءه على وتد و حلّ أزراره و اجترّ الشّطرنج/
و قال: من يلعب؟ فبينا هو كذلك إذ دخل الأبجر المغنّي، فقال له: أي زنديق ما جاء
بك إلى هاهنا؟ و جعل يشتمه و يمازحه. فقال له عبد الحكم: أ تشتم رجلا في منزلي!
فقال: أتعرفه؟ هذا الأحوص. فاعتنقه عبد الحكم و حيّاه. و قال له: أمّا إذ كنت [7]
الأحوص فقد هان عليّ ما فعلت.
خطب عبد
الملك بن مروان أهل المدينة و تمثل بشعر له:
أخبرني
الطّوسيّ و الحرميّ قالا حدّثنا الزّبير بن بكار قال حدّثني حميد بن عبد العزيز عن
أبيه قال:
لمّا قدم عبد
الملك بن مروان حاجّا سنة خمس و سبعين، و ذلك بعد ما اجتمع الناس عليه بعامين، جلس
على المنبر فشتم أهل المدينة و وبّخهم، ثم قال: إنّي و اللّه يا أهل المدينة قد
بلوتكم فوجدتكم تنفسون القليل و تحسدون
[1]
ملببا: مأخوذا بتلابيبه، و هو أن يجمع ثيابه عند صدره و نحره ثم يجرّ منها.
[4] النردات:
جمع نرد و هو ما يعرف اليوم «بالطاولة». و القرقات: جمع قرق و هي لعبة للصبيان
يخطّون بها أربعة و عشرين خطأ مربعة، كل مربع منها داخل الآخر، و يصفون بين تلك
المربعات حصيات صغيرة على طريقة مخصوصة.