نهى عمر بن الخطّاب الناس أن ينشدوا شيئا من مناقضة الأنصار و مشركي
قريش، و قال: في ذلك شتم الحيّ [1] بالميّت، و تجديد الضغائن، و قد هدم اللّه أمر
الجاهليّة بما جاء من الإسلام. فقدم المدينة عبد اللّه بن الزّبعري السّهمي و ضرار
بن الخطّاب الفهريّ ثم المحاربيّ، فنزلا على أبي أحمد بن جحش، و قالا له: نحبّ أن
ترسل إلى حسّان بن ثابت حتّى يأتيك، فننشده و ينشدنا مما قلنا له و قال لنا. فأرسل
إليه فجاءه؛ فقال له: يا أبا الوليد، هذان أخواك ابن الزّبعري و ضرار قد جاءا أن
يسمعاك و تسمعهما ما قالا لك و قلت لهما. فقال ابن الزّبعري و ضرار: نعم يا أبا
الوليد، إن شعرك كان يحتمل في الإسلام و لا يحتمل شعرنا، و قد أحببنا أن نسمعك و
تسمعنا.
فقال حسّان: أ
فتبدءان أم أبدأ؟ قالا: نبدأ نحن. قال: ابتدئا؛ فأنشداه حتى فار فصار كالمرجل
غضبا، ثم استويا على راحلتيهما يريدان مكة؛ فخرج حسّان حتى دخل على عمر بن الخطّاب
فقصّ عليه قصّتهما و قصّته. فقال له عمر:
لن يذهبا عنك
بشيء إن شاء اللّه، و أرسل من يردّهما، و قال له عمر: لو لم تدركهما إلّا بمكة
فارددهما عليّ.
و خرجا فلمّا
كانا بالرّوحاء [2] رجع ضرار إلى صاحبه بكره، فقال له يا ابن الزّبعري: أنا أعرف
عمر و ذبّه عن الإسلام و أهله،/ و أعرف حسّان و قلّة صبره على ما فعلنا به، و
كأنّي به قد جاء و شكا إليه ما فعلنا، فأرسل في آثارنا و قال لرسوله: إن لم
تلحقهما إلّا بمكة فارددهما عليّ؛ فاربح بنا ترك العناء و أقم بنا مكاننا؛ فإن كان
الذي ظننت فالرجوع من الرّوحاء أسهل منه من أبعد منها، و إن أخطأ ظنّي فذلك الذي
نحبّ و نحن من وراء المضيّ. فقال ابن الزّبعري: نعم ما رأيت. قال: فأقاما
بالرّوحاء، فما كان إلا كمرّ الطائر حتّى وافاهما رسول عمر فردّهما إليه؛ فدعا
لهما بحسّان، و عمر في جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال
لحسّان: أنشدهما مما قلت لهما؛ فأنشدهما حتّى فرغ مما قال لهما فوقف. فقال له عمر:
أفرغت؟ قال نعم. فقال له: أنشداك في الخلاء و أنشدتهما في الملا. و قال لهما عمر:
إن شئتما فأقيما، و إن شئتما فانصرفا. و قال لمن حضره: إنّي قد كنت نهيتكم أن
تذكروا مما كان بين المسلمين و المشركين شيئا دفعا للتضاغن عنكم و بثّ القبيح فيما
بينكم، فأمّا إذ أبوا فاكتبوه/ و احتفظوا به. فدوّنوا ذلك عندهم. قال خلّاد [3] بن
محمد: فأدركته و اللّه و إنّ الأنصار لتجدّده عندها إذا خافت بلاه.
شعر له في
هجو أبي سفيان بن الحارث:
أخبرنا أحمد
[4] بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا عفّان بن مسلم قال حدّثنا
عمران بن زيد قال: سمعت أبا إسحاق قال في قصة حسّان و أبي سفيان بن الحارث نحو ما
ذكره مما قدّمنا ذكره، و زاد فيه: فقال حسّان فيه:
-
في «الطبقات» (ج 5 ص 58- 59 طبع أوروبا). على أن السند كله مضطرب و لم نوفق لتحقيقه.
[1]. في «أسد
الغابة»: «و قال في ذلك شتم الحيّ و الميت إلخ».
[2].
الروحاء: موضع بين مكة و المدينة على نحو ثلاثين ميلا من المدينة.
[3]. لم نجد
هذا الاسم في «كتب التراجم» التي بين أيدينا. و قد تقدم في سند هذا الخبر رجلان كل
منهما يسمى خالد بن محمد، فلعله أحدهما.
[4]. في
الأصول: «محمد بن عبد العزيز» و ظاهر جدّا أنه أحمد بن عبد العزيز الجوهري الذي
يروي عن عمر بن شبة، و يروي عنه كثيرا أبو الفرج.
[5]. بنت
مخزوم: يريد بها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، و هي أم عبد اللّه
(أبى النبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم) و الزبير و أبي طالب أبناء عبد المطلب. و
والدك العبد: يريد به الحارث بن عبد المطلب و هو أبو أبي سفيان.