فالتفت إليهم
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال: «هل كان كما ذكر»؛ فشهد له ثابت بن قيس
بن شمّاس و قال له: و الذي بعثك بالحق يا رسول اللّه، لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه
عليه غلالة و ملحفة مورّسة [3] فجالدنا كما ذكر. هكذا في هذه الرواية.
/ و قد أخبرني
الحسن بن علي قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال حدّثني عمي مصعب قال:
لم تكن بينهم
في هذه الأيام حروب إلا في يوم بعاث [4] فإنه كان عظيما، و إنما كانوا يخرجون
فيترامون بالحجارة و يتضاربون بالخشب.
قال الزّبير و
أنشدت محمد بن فضالة قول قيس بن الخطيم:
أجالدهم يوم الحديقة حاسرا
كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
فضحك و قال: ما
اقتتلوا يومئذ إلا بالرطائب و السّعف.
قال أبو الفرج:
و هذه القصيدة التي استنشدهم إياها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جيّد شعر
قيس بن الخطيم، و مما أنشده نابغة بني ذبيان فاستحسنه و فضّله و قدّمه من أجله.
أنشد النابغة
من شعره فاستجاده:
أخبرنا الحسن
بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن زهير قال حدّثنا الزّبير بن بكّار قال قال أبو غزيّة
قال حسّان بن ثابت:
قدم النابغة
المدينة فدخل السّوق فنزل عن راحلته، ثم جثا على ركبتيه، ثم اعتمد على عصاه، ثم
أنشأ يقول:
/ فقلت: هلك الشيخ و رأيته قد تبع قافية منكرة.
قال و يقال: إنه قالها في موضعه، فما زال ينشد حتى أتى على آخرها، ثم قال: أ لا
رجل ينشد؟ فتقدّم قيس بن الخطيم فجلس بين يديه و أنشده:
أ تعرف رسما كاطّراد المذاهب
حتى فرغ منها؛
فقال: أنت أشعر الناس يا ابن أخي. قال حسان: فدخلني منه، و إنّي في ذلك لأجد
القوّة في نفسي عليهما [7]، ثم تقدّمت فجلست بين يديه؛ فقال: أنشد فو اللّه إنك
لشاعر قبل أن تتكلّم، قال: و كان يعرفني قبل ذلك، فأنشدته؛ فقال أنت أشعر الناس.
قال الحسن [8] بن موسى: و قالت الأوس: لم يزد قيس بن/ الخطيم النابغة على:
[1]
الحديقة: قرية من أعراض المدينة في طريق مكة، كانت بها وقعة بين الأوس و الخزرج
قبل الإسلام (كذا في ياقوت).
[2] المخراق:
خرقة مفتولة يلعب بها الصبيان، و تسمى في مصر «بالطرة».
[3] مورّسة:
مصبوغة بالورس و هو نبات أصفر تصبغ به الثياب و يتخذ منه طلاء للوجه.
[4] بعاث:
موضع في نواحي المدينة، كانت به وقائع بين الأوس و الخزرج في الجاهلية
[5] عريتنات:
واد ذكره ياقوت في «معجمه»، و استشهد بأبيات لداود بن شكم أولها: