فتفاءل المأمون
بذلك فاستدناه فاستعاده البيت فأعاد عليه؛ فقال ذو الرّئاستين [3]: يا أمير
المؤمنين هو حجر [4] العراق؛ قال: أجل. فلما صار ذو اليمينين إلى العراق سأل: هل
بقي من ولد بشّار أحد؟ فقالوا: لا؛ فتوهّمت أنه قد كان همّ لهم بخير.
غضب على سلّم
الخاسر لأنه سرق من معانيه:
أخبرنا يحيى قال
حدّثنا أبي قال أخبرني أحمد بن صالح- و كان أحد الأدباء- قال:
غضب بشّار على
سلّم الخاسر و كان من تلامذته و رواته، فاستشفع عليه بجماعة من إخوانه فجاءوه في
أمره؛ فقال لهم:
كلّ حاجة لكم
مقضيّة/ إلا سلما؛ قالوا ما جئناك إلا في سلّم و لا بدّ من أن ترضى عنه لنا؛ فقال:
أين هو الخبيث؟ قالوا: ها هو هذا؛ فقام إليه سلّم فقبّل رأسه و مثل بين يديه و
قال: يا أبا معاذ، خرّيجك و أديبك؛ فقال: يا سلّم، من الذي يقول:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
و فاز بالطيّبات الفاتك اللّهج
قال: أنت يا
أبا معاذ، جعلني اللّه فداءك! قال: فمن الذي يقول:
قال: خرّيجك
يقول ذلك (يعني نفسه)؛ قال: أ فتأخذ معانيّ التي قد عنيت بها و تعبت في استنباطها،
فتكسوها ألفاظا أخفّ من ألفاظي حتى يروى ما تقول و يذهب شعري! لا أرضى عنك أبدا،
قال: فما زال يتضرّع إليه، و يشفع له القوم حتى رضي عنه. و في هذه القصيدة يقول
بشّار:
[1]
ذكر ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (ج 1 ص 335) طاهرا هذا و قال في سياق ترجمته: و
اختلفوا في تلقيبه بذي اليمينين لأيّ معنى كان فقيل: لأنه ضرب شخصا في وقعته مع
عليّ بن ماهان فقدّه نصفين و كانت الضربة بيساره فقال فيه بعض الشعراء:
كلتا يديك يمين حين تضربه
و ذكر أيضا
في ترجمة الفضل بن سهل (ج 1 ص 589) أن الفضل كان أعلم الناس بعلم النجامة، فلما
عزم المأمون على إرسال طاهر بن الحسين إلى محاربة أخيه الأمين، نظر الفضل في
مسألته فوجد الدليل في وسط السماء و كان ذا يمينين، فأخبر المأمون بأن طاهرا يظفر
بالأمين و يلقّب بذي اليمينين، فلقب المأمون طاهرا بذلك، و هو أشهر قوّاده.
[5] هذا
البيت و بيت بشار قبله يذكرهما علماء البلاغة شاهدا لحسن أخذ الشاعر الثاني من
الأوّل، و يسمونه حسن الاتباع، لأن بيت سلّم أجود سبكا و أخصر لفظا (انظر «معاهد
التنصيص» صفحة 506 طبع بولاق).
[6] كذا في
الأصول. و في «معاهد التنصيص»: «إن دمنا».