أخبرني عليّ بن سليمان
الأخفش قال: حدثنا الحسن [1] بن الحسين السكّريّ عن الرّياشيّ/ عن الأصمعيّ، قال:
و ذكره المغيرة بن حجناء
قال: حدّثني أبي عن أبيه قال:
كان راعي الإبل يقضي
للفرزدق على جرير و يفضّله، و كان راعي الإبل قد ضخم أمره، و كان من أشعر النّاس،
فلما أكثر من ذلك خرج جرير إلى رجال من قومه فقال: أ لا تعجبون لهذا الرّجل الذي
يقضي للفرزدق عليّ و يفضّله [2] و هو يهجو قومه و أنا أمدحهم؟ قال جرير:
جرير يحاول مصالحته و
لكن جندلا يسيء إليه
ثم ضربت رأيي فيه، فخرجت
ذات يوم أمشي إليه. قال: و لم يركب جرير دابّته، و قال: و اللّه ما يسرّني أن يعلم
أحد بسيري إليه. قال: و كان لراعي الإبل و للفرزدق و جلسائهما حلقة بأعلى المربد
بالبصرة يجلسون فيها.
قال: فخرجت أتعرّض لها
لألقاه من حيال [3] حيث كنت أراه.
/ ثمّ
إذا انصرف من مجلسه لقيته، و ما يسرني أن يعلم أحد، حتى إذا هو قد مرّ على بغلة
له، و ابنه [4] جندل يسير وراءه راكبا مهرا له أحوى محذوف الذّنب و إنسان يمشي معه
و يسأله عن بعض السّبب، فلما استقبلته قلت له:
مرحبا بك يا أبا جندل. و
ضربت بشمالي إلى معرفة [5] بغلته، ثم قلت: يا أبا جندل، إنّ قولك يستمع، و إنك
تفضّل عليّ الفرزدق تفضيلا قبيحا، و أنا أمدح قومك و هو يهجوهم، و هو ابن عمّي، و
ليس منك، و لا عليك كلفة في أمري معه، و قد يكفيك من ذلك هيّن، و أن تقول إذا
ذكرنا: كلاهما شاعر كريم، فلا تحمل منه لائمة و لا منّي، قال: فبينا أنا و هو
كذلك، و هو واقف عليّ لا يردّ جوابا لقولي، إذ لحق بالرّاعي ابنه جندل، فرفع
كرمانيّة معه، فضرب [6] بها عجز بغلته، ثم قال: أراك واقفا على كلب بني [7] كليب،
كأنّك تخشى منه شرّا أو ترجو منه خيرا، فضرب [8] البغلة ضربة شديدة، فزحمتني زحمة
وقعت منها قلنسوتي. فو اللّه لو يعوج عليّ الرّاعي لقلت: سفيه غوىّ- يعني جندلا
ابنه- و لكنه لا و اللّه ما عاج عليّ، فأخذت قلنسوتي فمسحتها و أعدتها على رأسي و
قلت:
أ جندل ما تقول بنو
نمير
إذا ما الأير في است أبيك غابا؟
قال: فسمعت الرّاعي يقول
لابنه: أما و اللّه لقد طرحت قلنسوته طرحة مشئومة، قال جرير: و لا و اللّه ما كانت
القلنسوة بأغيظ أمره إليّ لو كان عاج عليّ.