: و أخذت طيّىء ببهدل و مروان أخيه أشدّ الأخذ، و
حبسوا، فقالوا: إن حبسنا لم نقدر عليهما و نحن محبوسون، و لكن خلّوا عنا، حتى
نتجسّس عنهما، فنأتيكم بهما، و كانا تأبدا مع الوحش يرميان الصّيد فهو رزقهما.
و لما طال ذلك على مروان
هبط إلى راع، فتحدث إليه فسقاه، و بسطه، حتى اطمأن إليه، و لم يشعره أنه يعرفه،
فجعل يأتيه بين الأيام، فلا ينكره، فانطلق الراعي، فأخبره باختلافه إليه، فجاء معه
الطلب، و أكمنهم، حتى إذا جاء مروان إلى الراعي كما كان يفعل سقاه، و حدثه فلم
يشعر حتى أطافوا به، فأخذوه، و أتوا به عثمان بن حيان أيضا عامل الوليد بن عبد
الملك على المدينة، فأعطى الذي دلّ عليه جعله، و قتله.
نهاية بهدل
: و أما بهدل فكان يأوي إلى هضبة سلمى، فبلغ ذلك سيّدا
من سلمى [5]، من طيء، فقال: قد أخيفت طيّ ء، و شرّدت من السهل من أجل هذا الفاسق
الهارب، فجاء حتى حلّ بأهله أسفل تلك الهضبة و معه أهلات [6] من قومه، فقال لهم:
إنكم بعيني الخبيث، فإذا كان النهار فليخرج الرجال من البيوت،/ و ليخلوا النساء،
فإنه إذا رأى ذلك انحدر إلى القباب، و طلب الحاجة و العلّ [7] فكانوا يخلون الرجال
نهارا فإذا أظلموا ثابوا إلى رحالهم أياما، فظنّ بهدل أنهم يفعلون ذلك لشغل
يأتيهم، فانحدر إلى قبة السّيّد، و قد أمر النساء: إن انحدر إليكن رجل فإنه ابن
عمكن، فأطعمنه و ادهنّ رأسه.
و في قبة السيد ابنتان له
فسألهما: من أنتما؟ فأخبرتاه، و أطعمتاه، ثم انصرف فلما راح أبوهما أخبرتاه، فقال:
[1]
أريحية: خيلا أريحية، أي كريمة الخلق،
كعين المها: كبقر الوحش ذوات الأعين النجلاء، يريد أن هذه الخيل ربما جاءت لنجدته.
[3]
شتى: جمع شتيت بمعنى متفرقة، و أراد
بالجمع ما فوق الواحد، نخلنا التصافيا: من نخل الشيء بمعنى خلصه من كل ما يشوبه،
أي: أخلص كلانا لأخيه، و المعنى أنني أنا و ابن أبيض من حيين مختلفين شتتنا الخوف،
و ألف بيننا ألفة وثيقة.
[4]
البيت مقول القول في البيت السابق،
عليهن: على الآبار المفهومة من المقام، و المعنى: لاقت ركابك مشربا سائغا، إذا لم
تضبح، أي تصهل، فيسمع الأعداء صهيلها عاليا.