رأسها و ذنبها بين ثدييها.
فهالنا ذلك و ارتحلنا [1].
فلم تزل منطوية عليها لا
تضيرها حتى دخلنا الحرم فانسابت، فدخلنا مكة و قضينا نسكنا، فرآها الغريض فقال:
أيّ شقيّة، ما فعلت حيتك؟ فقالت: في النار، قال: ستعلمين من أهل النار؟ و لم أفهم
ما أراد، و ظننت أنه مازحها، و اشتقت إلى غنائه، و لم يكن بيني و بينه ما يوجب
ذلك، فأتيت بعض أهله، فسألته ذلك، فقال نعم، فوجّه إليه أن اخرج بنا إلى موضع كذا،
و قال لي: اركب بنا، فركبنا حتى سرنا قدر ميل، فإذا الغريض هناك، فنزلنا، فإذا
طعام معدّ، و موضع حسن. فأكلنا و شربنا، ثم قال: يا أبا يزيد، هات بعض طرائفك
فاندفع يغني، و يوقع بقضيب:
مرضت فلم تحفل عليّ
جنوب
و أدنفت و الممشى إليّ قريب
فلا يبعد اللّه
الشباب و قولنا
إذا ما صبونا صبوة سنتوب
فلقد سمعنا شيئا ظننت أن
الجبال الّتي حولي تنطق معه: شجا صوت، و حسن غناء. و قال لي: أ تحب أن يزيدك [2]؟
فقلت: إي و اللّه. فقال: هذا ضيفك و ضيفنا، و قد رغب إليك و إلينا، فأسعفه بما
يريد. فاندفع يغني بشعر مجنون بني عامر:
عفا اللّه عن ليلى
الغداة فإنها
إذا وليت حكما عليّ تجور
أ أترك ليلى ليس بيني
و بينها
سوى ليلة؟ إني إذا لصبور!
/ فما عقلت لما غنى من حسنه إلا بقول صاحبي: نجور عليك
يا أبا يزيد. فقلت:
و ما معناك في ذلك؟ فقال:
إن أبا يزيد عرّض بأني لما وليت الحكم عليه جرت في سؤالي إياه أكثر من صوت واحد.
فقلت له- بعد ساعة- سرّا: جعلت فداءك، إني أريد المضي و أصحابي يريدون الرحلة، و
قد أبطأت عليهم، فإن رأيت أن تسأله- حاطه اللّه من السوء و المكروه- أن يزوّدني
لحنا واحدا. فقال لي: يا أبا يزيد، أتعلم ما أنهى إلينا ضيفنا؟ قال: نعم، أرادك أن
تكلمني في أن أغنيه قلت: هو و اللّه ذلك، فاندفع يغني:
خذي العفو مني
تستديمي مودتي
و لا تنطقي في سورتي حين أغضب
فإني رأيت الحب في
الصدر و الأذى
إذا اجتمعا لم يلبث الحبّ يذهب
/ فقال: قد أخذنا العفو منك، و استدمنا مودتك، ثم أقبل
علينا فقال: أ لا أحدثكم بحديث حسن؟ فقلنا:
بلى. قال: قال شيخ العلم و
فقيه الناس و صاحب عليّ- صلوات اللّه عليه- و خليفة عبد اللّه بن العباس على
البصرة أبو الأسود الدؤلي لابنته ليلة البناء [3]: أي بنيّة، النساء [4] كنّ
بوصيتك و تأديبك أحقّ مني، و لكن لا بد مما لا بد منه. يا بنيّة، إن أطيب الطيب
الماء، و أحسن الحسن الدهن، و أحلى الحلاوة الكحل. يا بنية، لا تكثري مباشرة زوجك
فيملّك، و لا تباعدي عنه فيجفوك و يعتلّ عليك، و كوني كما قلت لأمّك: