قال: فحبس الناس، و اضطربت
المحامل [2]، و مدّت الإبل أعناقها، و كادت الفتنة تقع، فأتي به هشام فقال:
يا عدو اللّه أردت أن تفتن
الناس؟ فأمسك عنه و كان تياها، فقال له هشام: أرفق بتيهك [3]. فقال ابن عائشة: حقّ
لمن كانت هذه قدرته على القلوب أن يكون تيّاها، فضحك و أطلقه قال فبرق [4] ابن أبي
الكنات، و كان معجبا بنفسه، و قال: أنا أفعل كما فعل، و قدرتي على القلوب أكثر من
قدرته كانت، ثم اندفع فغنى في هذا الصوت و نحن على جسر بغداد.
و كان إذ ذاك على دجلة
ثلاثة جسور معقودة، فانقطعت الطرق، و امتلأت الجسور بالناس، و ازدحموا عليها، و
اضطربت حتى خيف عليها أن تتقطع لثقل من عليها من الناس. فأخذ فأتي به الرشيد،
فقال: يا عدو اللّه أردت أن تفتن الناس؟ فقال: لا و اللّه يا أمير المؤمنين، و
لكنه بلغني أن ابن عائشة فعل مثل هذا في أيام هشام، فأحببت أن يكون في أيامك مثله
فأعجب [5] من قوله ذلك، و أمر له بمال، و أمره/ أن يغني، فسمع شيئا لم يسمع مثله
فاحتبسه عنده شهرا [6] يستزيده في كل يوم استأذنه فيع في الانصراف- يوما آخر حتى
تم له شهر [6] فقال هذا المخبر عنه:
و كان ابن أبي الكنّات
كثير الغشيان لي: فلما أبطأ توهمته قد قتل فصار إليّ بعد شهر بأموال جسيمة، و
حدّثني بما جرى بينه و بين الرشيد.
يسمع غناؤه على ثلاثة
أميال:
قال هارون: و أخبرني محمد
بن عبد اللّه المخزوميّ عن عثمان بن موسى مولانا قال:
كنا يوما باللاحجة و معنا
عمرو بن أبي الكنّات، و نحن على شرابنا إذ قال لنا قبل طلوع الشمس: من تحبون أن
يجيئكم؟ قلنا: منصور الحجبيّ. فقال: أمهلوا حتى يكون الوقت الّذي ينحدر فيه إلى
سوق البقر، فمكثنا ساعة ثم اندفع يغني: