فقال لي سعيد: هذا يوم
الغارات في الحارات [1]، ثم قال:
شعره في غلامين احتكما
إليه أيهما أجمل:
رئمان جاءا فحكّماني
لا حكم قاض و لا أمير
هذا كشمس الضحى جمالا
و ذا كبدر الدّجى المنير
و فضل هذا كذا على ذا
فضل خميس على عشير
قالا أشر بيننا برأي
و نجعل الفضل للمشير
تباذلا ثم قمت حتى
أخذت فضلي من الكبير
و كان عيبا بأن
أراني
أحرم حظّي من الصغير
فكان منّي و من
قريني
إليهما وثبة المغير
فمن رأى حاكما كحكمي
أعظم جورا بلا نكير!
و قال: و شاعت الأبيات حتى
بلغت الرشيد، فدعا به فاستنشده إياها، فتلكأ، فقال له: أنشد و لا بأس عليك، فأنشد،
فقال له: ويلك! اخترت الكبير سنا أو قدرا؟ قال: بل الكبير قدرا. قال: لو قلت غير
هذا سقطت عندي و استخففت بك. و وصله.
يمدح الفضل بن يحيى
ببيتين فيطرب لهما:
أخبرني جعفر بن قدامة،
قال: حدّثني أبو العيناء، قال:
دخل سعيد بن وهب على الفضل
بن يحيى في يوم قد جلس فيه للشعراء، فجعلوا ينشدونه و يأمر لهم بالجوائز حتى لم
يبق منهم أحد، فالتفت إلى سعيد بن وهب كالمستنطق، فقال له:
/ أيها
الوزير، إني ما كنت استعددت لهذه الحال، و لا تقدّمت لها، عندي مقدّمة فأعرفها، و
لكن قد حضرني بيتان أرجو أن ينوبا عن قصيدة، فقال: هاتهما فربّ قليل أبلغ من
الكثير، فقال سعيد:
قال: فطرب الفضل، و قال
له: أحسنت و اللّه و أجدت! و لئن قلّ القول و نزر لقد اتسع المعنى و كثر.
ثم أمر له بمثل ما أعطاه
[3] كلّ من أنشده مديحا يومئذ، و قال: لا خير فيما يجيء بعد بيتيك [4]؛ و قام من
المجلس و خرج الناس يومئذ بالبيتين لا يتناشدون سواهما.