ثم قال: و اللّه لا تركت
بعدي من يهزج. قال جحظة: و اللّه ما كذب!.
ينفيه الواثق إلى عمان:
أخبرني جحظة، قال: كان
الواثق قد أذن لجلسائه ألا يردّ أحد نادرة عن أحد يلاعبه [1]، فغنى الواثق يوما:
نظرت كأنّي من وراء
زجاجة
إلى الدار من ماء الصبابة انظر
و قد كان النبيذ عمل فيه و
في الجلساء فانبعث [2] إليه المسدود فقال: أنت تنظر أبدا من وراء زجاجة، إن كان في
عينيك [3] ماء صبابة أو لم يكن، فغضب الواثق من ذلك و كان في عينيه بياض، ثم قال:
خذوا برجل العاضّ بظر [4] أمه، فسحب من بين يديه. ثم قال: ينفى إلى عمان الساعة،
فنفي من وقته و حدر/ و معه الموكّلون [5]. فلما سلّموه إلى صاحب البصرة، سأله أن
يقيم عنده يوما و يغنّيه، ففعل.
يأبى الغناء لأمير
البصرة فيرسله إلى عمان:
فلما جلسوا للشراب ابتدأ
فقال: احذروني يا أهل البصرة على حرمكم، فقد دخلت إلى بلدكم و أنا أزنى خلق اللّه.
قال: فقال له الجمّاز: أما يعني [6] أنه أزنى خلق اللّه أمّا، فغضب المسدود، و ضرب
بطنبوره الأرض و حلف ألا يغنّي، فسأله الأمير أن يقيم عنده و أمر بإخراج الجماز و
كلّ من حضر، فأبى و لجّ فأحدره إلى عمان.
يشتاقه الواثق فيكتب في
إحضاره:
و مكث الواثق [7] لا يسأل
عنه سنة، ثم اشتاقه فكتب في إحضاره، فلما جاءه الرسول و وصل إلى الواثق قبّل الأرض
بين يديه، فاعتذر من هفوته و شكر التفضل عليه. فأمره بالجلوس ثم قال له: حدّثني
بما رأيت بعدي.
فقال: لي حديث ليس في
الأرض أظرف [8] منه، و أعاد عليه حديثه بالبصرة. فقال له الواثق: قبحك اللّه ما
أجهلك! ويلك! فأنت سوقة و أنا ملك، و كنت صاحيا و كنت منتشيا و بدأت القوم
فأجابوك، فبلغ بك الغضب ما ذكرته و ما بدأتك فتجيبني، و بدأتني- من المزح- بما لا
يحتمله النظير لنظيره، ويلك! لا تعاود ممازحة خليفة و إن أذن لك في ذلك، فليس كل
أحد يحضره حلمه كما حضرني فيك.
يهجو الواثق في رقعة و
يقدمها إليه خطأ:
أخبرني محمد بن يحيى
الصولي، قال: حدّثني عون بن محمد، قال: سمعت حمدون بن إسماعيل يقول:
لم يكن في الخلفاء أحد
أحلم من الواثق، و لا أصبر على أذى و خلاف. و كان/ يعجبه غناء أبي حشيشة