فيحسن، و نحن نحبّ أن نسمعه، و لكنّا نهابك؛ قال: فما عليّ منكم! أنا
محموم نائم،/ فاصنعوا ما بدا لكم، فاندفع إبراهيم بن [أبي] [1] الهيثم فغنّى:
يا أمّ بكر حبّك البادي
لا تصرميني إنّني غادي
جدّ الرحيل و حثّني صحبي
و أريد إمتاعا من الزاد
فأجاده و
أحسنه. قال: فوثب الناسك فجعل يرقص و يصيح: أريد إمتاعا من الزاد، و اللّه أريد
إمتاعا من الزاد، ثم كشف عن أيره و قال: أنا أنيك أمّ الحمّى! قال: يقول لي ابن
الماشطة: أعتقت ما أملك إن كان ناك أمّ الحمّى أحد قبله.
أخبرني به
الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه عن أيّوب فذكر [2] الخبر و لم يذكر فيه كشف الناسك
عن سوأته و ما قاله بعد ذلك.
هروبه إلى
اليمن خوفا من نافع بن علقمة و موته بها
و كانت وفاة
الغريض في أيام سليمان بن عبد الملك أو عمر بن عبد العزيز لم يتجاوزها. و الأشبه
أنّه مات في خلافة سليمان، لأن الوليد كان ولّى نافع بن علقمة مكة فهرب منه الغريض
و أقام باليمن و استوطنها مدّة ثم مات بها. و أخبرني بخبره الحسين بن يحيى عن
حمّاد عن أبيه عن المسيّبي قال أخبرني بعض المخزوميين أيضا بخبره.
و أخبرني أحمد
بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثني أبو غسّان: أن نافع بن علقمة لما
ولّي مكّة خافه الغريض- و كان كثيرا ما يطلبه فلم يجئه [3]- فهرب منه و استخفى في
بعض منازل إخوانه. قال: فحدّثني رجل من أهل مكّة كان يخدمه: أنّه دفع إليه يوما
ربعة [4] له و قال له: صر بها إلى فلان العطّار يملؤها لي طيبا، قال: فصرت بها
إليه، فلقيني نافع بن علقمة فقال: هذه ربعة الغريض و اللّه! فلم أقدر أن أكتمه،
فقلت: نعم؛ قال: ما قصّته؟ فأخبرته الخبر؛ فضحك و قال: سر معي إلى المنزل ففعلت،
فملأها طيبا و أعطاني دنانير، و قال: أعطه و قل له يظهر فلا بأس عليه؛ فسرت إليه
مسرورا فأخبرته بذلك فجزع و قال: الآن ينبغي أن أهرب، إنما هذه حيلة احتالها عليّ
لأقع في يده، ثم خرج من وقته إلى اليمن فكان آخر العهد به.
قال إسحاق
فحدّثني هذا المخزوميّ: أنّ الغريض لمّا صار إلى اليمن و أقام [5] به اجتزنا به
بعض أسفارنا؛ قال: فلما رآني بكى؛ فقلت له: ما يبكيك؟ قال: بأبي أنت و أمّي! و كيف
يطيب لي أن أعيش بين قوم يرونني أحمل عودي فيقولون لي: يا هناه [6]، أ تبيع آخرة
[7] الرّحل! فقلت له: فارجع إلى مكّة ففيها أهلك، فقال: يا بن أخي،
[1]
الزيادة عن ح. و قد اتفقت الأصول على إيراده بهذه الزيادة في سند هذا الخبر.
[6] الهن:
كلمة يكنى بها عن اسم الإنسان. و قد تزاد في النداء الألف و الهاء فيقال: يا هناه
أو يا هناه أقبل بالضم و الكسر، فالضم على أنها آخر الاسم و الكسر لالتقاء
الساكنين. (انظر «اللسان» مادة «هنا»).
[7] كذا في
أغلب الأصول، و في ط: «مؤخرة» و آخرة الرحل و مؤخرته: ما يستند إليه الراكب، و هي
خلاف قادمته.