/ قدم نصيب الكوفة، فأرسلني أبي إليه، و كان له صديقا، فقال: أقرئه
منّي السلام و قل له: إن رأيت أن تهدي لنا شيئا مما قلت! فأتيته في يوم جمعة و هو
يصلّي، فلما فرغ أقرأته السلام و قلت له: فقال قد علم أبوك أنّي لا أنشد في يوم
الجمعة و لكن تلقاني في غيره فأبلغ ما تحبّ، فلمّا خرجت و انتهيت إلى الباب رددت
إليه؛ فقال: أ تروي شيئا من الشعر؟ قلت نعم؛ قال: فأنشدني، فأنشدته قول جميل:
إني لأحفظ غيبكم و يسرّني
لو تعلمين بصالح أن تذكري
الأبيات
المتقدّمة، فقال نصيب: أمسك! أمسك! للّه درّه! ما قال أحد إلا دون ما قال، و لقد
نحت [1] للناس مثالا يحتذون عليه. ثم قال: أمّا أصدقنا في شعره فجميل، و أمّا
أوصفنا لربّات الحجال فكثيّر، و أمّا أكذبنا فعمر بن أبي ربيعة، و أمّا أنا فأقول
ما أعرف.
سمع أصوات
رهبان في دير فصنع لحنا على مثالها
و قال هارون بن
محمد الزيّات حدّثني حمّاد بن إسحاق عن أبيه:
أن الغريض سمع
أصوات رهبان بالليل في دير لهم فاستحسنها، فقال له بعض من معه: يا أبا يزيد، صغ
على مثل هذا الصوت لحنا؛ فصاغ مثله في لحنه:
يا أمّ بكر حبّك البادي
لا تصرميني إنّني غادي
فما سمع بأحسن
منه.
نسبة هذا
الصوت
صوت
يا أمّ بكر حبك البادي
لا تصرميني إنّني غادي
جدّ الرحيل و حثّني صحبي
و أريد إمتاعا من الزّاد
/ عروضه من مزاحف الكامل [2]. الشعر لسعيد [3]
بن عبد الرحمن بن حسّان بن ثابت الأنصاريّ. و الغناء للغريض خفيف ثقيل أوّل
بالوسطى. و فيه لابن المكّي ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش. و فيه لإبراهيم بن أبي الهيثم
هزج.
غناء إبراهيم
بن أبي الهيثم و الرجل الناسك
و أخبرني
إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبة عن أيوب بن عباية عن عمرو بن عقبة- و كان
يعرف بابن الماشطة- قال:
خرجت أنا و
أصحاب لي فيهم إبراهيم بن أبي الهيثم إلى العقيق، و معنا رجل ناسك كنا نحتشم منه، و
كان محموما نائما، و أحببنا أن نسمع من معنا من المغنّين و نحن نهابه و نحتشمه،
فقلت له: إنّ فينا رجلا ينشد الشعر
[2] كذا في ط
و هو الصواب إذ البيتان من الكامل الذي دخل عروضه و ضربه الحذ و هو حذف الوتد
المجموع من متفاعلن، و الإضمار و هو إسكان ثانيه. و في باقي الأصول: «مزاحف الرجز»
و هو تحريف.
[3] انظر
ترجمته في الجزء السابع ص 164 من «الأغاني» طبع بولاق.