ثم إنّ
المرزبان وفد على كسرى و معه ابنه «شاهان مرد» فبينما هما واقفان بين يديه إذ سقط
طائران على السّور فتطاعما كما يتطاعم الذكر و الأنثى فجعل كلّ واحد منقاره في
منقار الآخر، فغضب كسرى من ذلك [2] و لحقته غيرة، فقال للمرزبان و ابنه: ليرم كلّ
واحد منكما واحدا من هذين الطائرين، فإن قتلتماهما أدخلتكما بيت المال و ملأت
أفواهكما بالجوهر، و من أخطأ منكما عاقبته؛ فاعتمد كلّ واحد منهما طائرا منهما و
رميا فقتلاهما جميعا، فبعثهما إلى بيت المال فملئت أفواههما جوهرا، و أثبت «شاهان
مرد» و سائر أولاد المرزبان في صحابته؛ فقال فرّوخ ماهان عند ذلك للملك: إنّ عندي
غلاما من العرب مات أبوه و خلّفه في حجري [3] فربّيته، فهو أفصح الناس و أكتبهم
بالعربيّة/ و الفارسيّة، و الملك محتاج إلى مثله، فإن رأى أن يثبته في ولدي فعل؛
فقال: ادعه، فأرسل إلى عديّ بن زيد، و كان جميل الوجه فائق الحسن و كانت الفرس
تتبرّك بالجميل الوجه، فلما كلّمه وجده أظرف الناس و أحضرهم جوابا، فرغب فيه و
أثبته مع ولد المرزبان.
عديّ أوّل من
كتب بالعربية في ديوان كسرى
فكان عديّ أوّل
من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فرغب أهل الحيرة إلى عديّ و رهبوه، فلم يزل
بالمدائن في ديوان كسرى يؤذن له عليه في الخاصّة و هو معجب به قريب منه، و أبوه
زيد بن حماد يومئذ حيّ إلا أنّ ذكر عديّ قد ارتفع و خمل ذكر أبيه، فكان عديّ إذا
دخل على المنذر قام جميع من عنده حتى يقعد عديّ، فعلا له بذاك صيت [4] عظيم، فكان
إذا أراد المقام بالحيرة في منزله و مع أبيه و أهله استأذن كسرى فأقام فيهم الشهر
و الشهرين و أكثر و أقلّ.
إرسال كسرى
له إلى ملك الروم
/ ثم إنّ كسرى
أرسل عديّ بن زيد إلى ملك الروم بهديّة من طرف ما عنده، فلما أتاه عديّ بها أكرمه
و حمله إلى عمّاله على البريد ليريه سعة أرضه و عظيم [5] ملكه- و كذلك كانوا
يصنعون- فمن ثمّ وقع عديّ بدمشق، و قال فيها الشعر. فكان مما قاله بالشأم و هي [6]
أوّل شعر قاله فيما ذكر:
[6] كذا في
جميع النسخ و الضمير عائد على الأبيات الثلاثة الآتية. و في «معاهد التنصيص» ص 143
طبع بولاق سنة 1274 ه: «و هو أوّل شعر قاله».
[7] دومة:
قرية من قرى غوطة دمشق، و الظاهر أنها غير مرادة في هذا البيت، و اسم لموضع بين
الشأم و الموصل. قال البكري في «معجم ما استعجم»: «و دومة هذه من منازل جذيمة
الأبرش، و هذه دومة الحيرة أمّا دومة الجندل فهي على عشر مراحل من المدينة و عشر
من الكوفة و ثمان من دمشق و كان بها طائفة من النصارى».
[8] جيرون:
بناء عند باب دمشق و هو سقيفة مستطيلة على عمد و سقائف و حولها مدينة تطيف بها، و
المعروف اليوم أن بابا من أبواب