فقال الحصين: و اللّه لقد
أساء إلينا أمير المؤمنين في صاحبنا مرّتين، إحداهما أنه هرب إليه فلم يجره، و
أخرى أنّه أمر بعذابه غير مراقب لنا فيه، و قال يزيد بن أسد: إنّي لأظن أنّ طاعتنا
ستفسد و يمحوها ما فعل [2] بابن مفرّغ، و لقد تطلّع من نفسي شيء، للموت أحبّ إليّ
منه. و قال مخرمة بن شرحبيل: أيها الرّجلان، اعقلا فإنه لا معاوية لكما [3]، و
اعرفا أنّ صاحبكما لا تقدح فيه الغلظة، فاقصدا التّضرّع، فركب القوم إلى دمشق/ و
قدموا على يزيد بن معاوية، و قد سبقهم الرّجل، فنادى بذلك الشّعر يوم الجمعة على
درج مسجد دمشق، فثارت اليمانية و تكلّموا، و مشى بعضهم إلى بعض، و قدم وفد
القرشيّين في أمره مع طلحة الطّلحات، فسبقوا القرشيّين، و دخلوا على يزيد بن
معاوية، فتكلم الحصين بن نمير، فذكر بلاءه و بلاء قومه و طاعتهم، و قال: يا أمير
المؤمنين، إنّ الذي أتاه ابن زياد إلى صاحبنا، لا قرار عليه، و قد سامنا عبيد
اللّه و عبّاد خطّة خسف، و قلّدانا قلادة عار، فأنصف/ كريمنا من صاحبه، فو اللّه
لئن قدرنا لنعفونّ، و لئن ظلمنا لننتصرنّ. و قال يزيد بن أسد: يا أمير المؤمنين،
إنّا لو رضينا بمثلة ابن زياد بصاحبنا و عظيم ما انتهك منه، لم يرض اللّه عزّ ذكره
بذلك [4] و لئن تقرّبنا إليك بما يسخط اللّه ليباعدنّنا اللّه منك، و إن يمانيّتك
قد نفرت لصاحبها نفرة طار غرابها، و ما أدري متى يقع، و كلّ نائرة [5] تقدح في
الملك و إن صغرت لم يؤمن أن تكبر، و إطفاؤها خير من إضرامها لا سيما إذا كانت في
أنف لا يجدع، و يد لا تقطع، فأنصفنا من ابني زياد [6].
و قال مخرمة بن شرحبيل، و
كان متألّها عظيم الطاعة في أهل اليمن: إنه لا يد تحجزك [7] عن هواك، و لو مثّلت
بأخينا و تولّيت ذلك منه بنفسك لم يقم فيه قائم و لم يعاتبك فيه معاتب، و لكنّ
ابني زياد استخفّانا [8] بما يثقل عليك من حقّنا،/ و تهاونا بما تكرمه منّا، و أنت
بيننا و بين اللّه، [9] و نحن بينك و بين الناس [9]، فأنصفنا من صاحبيك، و لينفعنا
بلاؤنا عندك.
فقال يزيد: إنّ صاحبكم أتى
عظيما؛ نفى زيادا من أبي سفيان، و نفى عبّادا و عبيد اللّه من زياد، و قلّدهم طوق
الحمامة، و ما شجّعه على ذلك إلا نسبه فيكم، و حلفه في قريش، فأمّا إذ بلغ الأمر
ما أرى، و أشفى بكم على ما أشفى، فهو لكم، و عليّ رضاكم.
وفد القرشيين يقابل يزيد
بن معاوية
قال: و انتهى القرشيّون
إلى الحاجب فاستأذن لهم، و قال لليمانيّين: قد أتتكم برى الذهب من أهل العراق،