قال: لأنه سألني بحقّ
اللّه و بحقّ رسوله و قرابته منه و منك، و حلف لي أنّه لا يحدث حدثا، و أنه يجيبني
متى طلبته.
فأطرق ساعة، ثم قال: امض
بنفسك في طلبه حتى تجيئني به و اخرج الساعة، فخرج. قال: فدخلت عليه مهنّئا
بالسّلامة فقلت له: ما رأيت أثبت من جنانك و لا أصحّ من رأيك فيما جرى،. و أنت و
اللّه كما قال أشجع:
بديهته و فكرته سواء
إذا ما نابه الخطب الكبير
و أحزم ما يكون
الدّهر رأيا
إذا عيّ المشاور و المشير
و صدر فيه للهمّ
اتّساع
إذا ضاقت بما تحوي الصّدور
فقال الفضل: انظروا كم أخذ
أشجع على هذه القصيدة، فاحملوا إلى أبي محمد مثله. قال: فوجده قد أخذ ثلاثين ألف
درهم، فحملت إليّ.
يرثي صديقا له من بغداد
أخبرني الحسين بن القاسم
الكوكبيّ إجازة، قال: حدثني محمد بن عجلان، قال: حدّثنا ابن خلّاد، عن حسين
الجعفيّ، قال:
كان أشجع إذا قدم بغداد
ينزل على صديق له من أهلها، فقدمها مرّة فوجده قد مات، و النوح و البكاء في داره،
فجزع لذلك و بكى، و أنشأ يقول:
ويحها هل درت على من
تنوح
أ سقيم فؤادها أم صحيح!
قمر أطبقوا عليه
ببغدا
د ضريحا، ما ذا أجنّ الضّريح!
رحم اللّه صاحبي و
نديمي
رحمة تغتدي و أخرى تروح
و هذه القصيدة التي فيها
الأبيات المذكورة و الغناء فيها، من قصيدة يمدح بها أشجع الرّشيد و يهنّئه بفتح
هرقلة، و قد مدحه بذلك و هنّأه جماعة من الشّعراء و غنّي في جميعها، فذكرت خبر فتح
هرقلة لذكر ذلك.
سبب غزاة الرشيد هرقلة
أخبرني بخبره عليّ بن
سليمان الأخفش، قال: حدّثنا محمد بن يزيد، قال:
كان من خبر غزاة الرّشيد
هرقلة أن الرّوم كانت قد ملّكت امرأة، لأنه لم يكن بقي في أهل زمانها من أهل بيتها
[1]- بيت المملكة- غيرها، و كانت تكتب إلى المهديّ و الهادي و الرّشيد أوّل خلافته
بالتّعظيم و التّبجيل، و تدرّ عليه الهدايا، حتى بلغ ابن لها فحاز الملك دونها، و
عاث و أفسد، و فاسد الرّشيد، فخافت على ملك الرّوم أن يذهب، و على بلادهم أن تعطب؛
لعلمها بالرّشيد و خوفها من سطوته، فاحتالت لابنها فسملت عينيه [2]، فبطل منه
الملك و عاد إليها، فاستنكر ذلك أهل المملكة و أبغضوها من أجله، فخرج عليها نقفور
و كان كاتبها، فأعانوه و عضّدوه، و قام بأمر الملك و ضبط أمر الرّوم، فلمّا قوي
على أمره و تمكّن من ملكه كتب إلى الرّشيد:
كتاب نقفور إلى الرشيد
«من نقفور ملك الرّوم إلى الرّشيد ملك العرب، أما بعد؛
فإنّ هذه المرأة كانت وضعتك و أباك و أخاك موضع