و كان [1] الربيع ينادم
النعمان مع رجل من أهل الشام تاجر، يقال له: سرجون [2] بن نوفل، و كان حريفا
للنعمان- يعني سرجون- يبايعه، و كان أديبا حسن الحديث و المنادمة، فاستخفّه
النعمان، و كان إذا أراد أن يخلو على شرابه بعث إليه و إلى النطاسيّ- متطبّب كان
له- و إلى الربيع بن زياد، و كان يدعى الكامل.
فلما قدم الجعفريّون كانوا
يحضرون النعمان لحاجتهم، فإذا خلا الربيع بالنعمان طعن فيهم، و ذكر معايبهم، ففعل
ذلك بهم مرارا، و كانت بنو جعفر له أعداء، فصدّه عنهم، فدخلوا عليه يوما فرأوا منه
تغيّرا و جفاء، و قد كان/ يكرمهم قبل ذلك و يقرّب مجلسهم، فخرجوا من عنده غضابا، و
لبيد في رحالهم يحفظ أمتعتهم، و يغدو بإبلهم كلّ صباح، فيرعاها، فإذا أمسى انصرف
بإبلهم، فأتاهم ذات ليلة فألفاهم يتذاكرون أمر الربيع، و ما يلقون منه؛ فسألهم
فكتموه، فقال لهم: و اللّه لا أحفظ لكم متاعا، و لا أسرّح لكم بعيرا أو تخبروني.
و كانت أمّ لبيد امرأة من
بني عبس، و كانت يتيمة في حجر الربيع، فقالوا: خالك قد غلبنا على الملك، و صدّ
عنّا وجهه، فقال لهم لبيد: هل تقدرون على أن تجمعوا بينه و بيني فأزجره عنكم بقول
ممضّ، ثم لا يلتفت/ النعمان إليه بعده أبدا. فقالوا: و هل عندك من ذلك شيء؟ قال:
نعم، قالوا: فإنا نبلوك بشتم هذه البقلة- لبقلة قدّامهم دقيقة القضبان قليلة الورق
لاصقة فروعها بالأرض، تدعى التّربة [3]- فقال: هذه التّربة التي لا تذكى نارا، و
لا تؤهل دارا، و لا تسرّ جارا، عودها ضئيل، و فرعها كليل، و خيرها قليل، بلدها
شاسع، و نبتها خاشع، و آكلها جائع، و المقيم عليها ضائع، أقصر البقول فرعا، و
أخبثها مرعى، و أشدّها قلعا، فتعسا لها و جدعا، القوا بي أخا بني عبس، أرجعه عنكم
بتعس و نكس، و أتركه من أمره في لبس.
فقالوا: نصبح فنرى فيك
رأينا. فقال لهم عامر: انظروا غلامكم؛ فإن رأيتموه نائما فليس أمره بشيء، و إنما
يتكلّم بما جاء على لسانه، و يهذي بما يهجس في خاطره، و إذا رأيتموه ساهرا فهو
صاحبكم. فرمقوه بأبصارهم، فوجدوه قد ركب رحلا، فهو يكدم بأوسطه حتى أصبح.
فلما أصبحوا قالوا: أنت و
اللّه صاحبنا، فحلقوا رأسه، و تركوا/ ذؤابتين، و ألبسوه حلّة، ثم غدوا به معهم على
النعمان، فوجدوه يتغدّى و معه الرّبيع و هما يأكلان، ليس معه غيره، و الدار و
المجالس مملوءة من الوفود.
فلما فرغ من الغداء أذن
للجعفريين فدخلوا عليه، و قد كان تقارب أمرهم، فذكروا للنعمان الذي قدموا له من
حاجتهم، فاعترض الربيع في كلامهم، فقام لبيد يرتجز، و يقول [4]: