قال ابن زيد أخبرني محمد
بن يحيى عن ابن شهاب الزهريّ قال:
ذكر أن زيد: بن عمرو بن
عثمان العثماني خرج إلى مال له مغاضبا لسكينة، و عمر بن عبد العزيز يومئذ و الي
المدينة، فأقام سبعة أشهر، فاستعدته سكينة على زيد، و ذكرت غيبته مع ولائده سبعة
أشهر، و أنها شرطت عليه أنه إن مس امرأة، أو حال بينها و بين شيء من ماله، أو
منعها مخرجا تريده، فهي خلية [1]، فبعث إليه عمر فأحضره، و أمر ابن حزم أن ينظر
بينهما.
/ قال:
حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه، قال: بعثني عمر، و بعث معي محمد بن معقل بن يسار
الأشجعي، إلى ابن حزم، و قال: اشهدا قضاءه، فدخلنا عليه و عنده زيد جالس، و فاطمة
امرأة ابن حزم في الحجلة [2] جالسة، و جاءت سكينة، فقال ابن حزم: أدخلوها وحدها.
فقالت: و اللّه لا أدخل إلا و معي ولائدي، فأدخلن معها، فلما دخلت قالت: يا جارية
اثني لي هذه الوسادة. ففعلت، و جلست عليها، و لصق زيد بالسرير، حتى كان يدخل في
جوفه خوفا منها. فقال لها ابن حزم: يا ابنة الحسين، إن اللّه عز و جل يحب القصد في
كل شيء، فقالت له: و ما أنكرت مني، إني و إياك و اللّه كالذي يرى الشعرة في عين
صاحبه، و لا يرى الخشبة في عينه. فقال لها: أما و اللّه لو كنت رجلا لسطوت بك.
فقالت له: يا ابن فرتنى أ لا تزال لتوعدني؟ و شتمته و شتمها. فلما بلغا ذلك قال
ابن أبي الجهم العدوي: ما بهذا أمرنا، فأمض الحكم و لا تشاتم. فقالت لمولاة لها:
من هذا؟ قالت: أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي الجهم. فقالت: لا أراك [3] هاهنا و أنا
أشتم بحضرتك. ثم هتفت برجال قريش، و حضت ابن أبي الجهم، و قالت: أما و اللّه لو
كان أصحاب الحرّة أحياء لقتلوا هذا العبد اليهودي عند شتمه إياي، أي عدوّ اللّه،
تشتمني و أبوك الخارج مع يهود صبابة بدينهم لما أخرجهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه
و سلّم إلى أريحاء، يا ابن فرتنى. قال: و شتمها و شتمته.
قال: ثم أحضرنا زيدا،
فكلمها و خضع لها، فقالت: ما أعرفني بك يا زيد، و اللّه لا تراني أبدا، أتراك تمكث
مع جواريك سبعة أشهر لا تقربهن؟ املأ عينك/ الآن مني، فإنك لا تراني [4] بعد
الليلة أبدا، و جعلت تردد هذا القول و مثله، فكلما تكلمت ترفث [5] لابن حزم و
امرأته في الحجلة، و هو يقلق لسماع امرأته ذلك فيه. ثم حكم بينهما بأن سكينة إن
جاءت ببينة على ما ادّعته، و إلا فاليمين على زيد. فقامت و قالت لزيد، يا ابن
عثمان: تزوّد مني بنظرة، فإنك و اللّه لا تراني بعد الليلة أبدا، و ابن حزم صامت.
ثم خرجنا و جئنا إلى عمر بن عبد العزيز و هو ينتظرنا في وسط الدار في ليلة شاتية،
فسألنا عن الخبر، فأخبرناه، فجعل يضحك حتى أمسك بطنه، ثم دعا زيدا من غد، فأحلفه و
ردّ سكينة عليه.