و مضت الجارية
و غاب عنه خبرها مدّة، فبينا هو جالس ذات يوم إذ وقف عليه كهل فقال له: أ أنت يزيد
بن الحكم؟ قال: نعم، فدفع إليه كتابا مختوما، ففضّه فإذا كتابها إليه و فيه:
لئن كوى قلبك الشّسوع
فالقلب منّي به صدوع
و بي و ربّ السماء فاعلم
إليك يا سيدي نزوع
/ أعزز علينا بما تلاقي
فينا و إن شفّنا الولوع
فالنفس حرّى عليك و لهى
و العين عبرى لها دموع
فموتنا في يد التنائي
و عيشنا القرب و الرجوع
و حيثما كنت يا منايا
فالقلب منّي به خشوع
ثم عليك السلام منّي
ما كان من شمسها طلوع
قال: فبكى و
اللّه حتى رحمه من حضر، و قال لنا الكهل: ما قصته؟ فأخبرناه بما بينهما، فجعل
يستغفر اللّه من حمله الكتاب إليه، و أحسب أن هذا الخبر مصنوع؛ و لكن هكذا أخبرنا
به ابن أبي الأزهر.
شعر نسب إليه
و إلى طرفة بن العبد
أخبرني هاشم بن
محمد الخزاعيّ قال حدّثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قال أنشدني أبو الزعراء- رجل
من بني قيس بن ثعلبة- لطرفة بن العبد:
تكاشرني كرها كأنك ناصح
و عينك تبدي أن صدرك لي جوي
قال: فعجبت من
ذلك و أنشدته أبا عمرو بن العلاء و قلت له: أني كنت أرويه ليزيد بن الحكم الثقفيّ
فأنشدنيه أبو الزعراء لطرفة بن العبد، فقال لي أبو عمرو: إنّ أبا الزعراء في سنّ
يزيد بن الحكم، و يزيد مولّد يجيد الشعر، و قد يجوز أن يكون أبو الزعراء صادقا.
قال مؤلف هذا
الكتاب: ما أظن أبا الزعراء صدق فيما حكاه، لأنّ العلماء من رواة الشعر رووها
ليزيد بن الحكم، و هذا أعرابي لا يحصل ما يقوله، و لو كان هذا الشعر مشكوكا فيه
أنه ليزيد بن الحكم- و ليس كذلك- لكان معلوما أنه ليس لطرفة، و لا موجودا في شعره
على سائر الروايات، و لا هو أيضا مشبها لمذهب طرفة و نمطه، و هو بيزيد أشبه، و له
في معناه عدّة قصائد يعاتب فيها أخاه عبد ربّه بن الحكم و ابن عمه عبد الرحمن بن
عثمان بن أبي العاص. و من قال إنه ليزيد بن الحكم بن عثمان قال إنّ عمه عبد الرحمن
هو الذي عاتبه، و فيه يقول: