ثم قال: ظننت
أنك يا ابن النصرانية لم تكن تجترئ عليّ و لو رأيتني لك مأسورا. و أوعده، فما برح
الأخطل حتى حمّ، فقال له عبد الملك: أنا جارك منه؛ قال: هذا أجرتني منه يقظان، فمن
يجيرني منه نائما؟ قال: فجعل عبد الملك يضحك. قال: فأمّا قول الأخطل:
ألا سائل الجحّاف هل هو ثائر
بقتلى أصيبت من سليم و عامر
فإنه يعني
اليوم الذي قتلت فيه بنو تغلب عمير بن الحباب السّلميّ.
و كان السبب في
ذلك فيما أخبرني به عليّ بن سليمان الأخفش قال حدّثني أبو سعيد السكريّ عن محمد بن
حبيب عن أبي عبيدة عن ابن الأعرابيّ عن المفضل:
أن قيسا و تغلب
تحاشدوا لما كان بينهم من الوقائع منذ ابتداء الحرب بمرج راهط، فكانوا يتغاورون [2].
و كانت بنو
مالك بن بكر جامعة/ بالتوباذ و ما حوله، و جلبت إليها طوائف تغلب و جميع بطونها،
إلا أن بكر بن جشم لم تجتمع أحلافهم من النّمر بن قاسط. و حشدت بكر فلم يأت الجمع
منهم على قدر عددهم. و كانت تغلب بدوا بالجزيرة لا حاضرة لها إلا قليل بالكوفة، و
كانت حاضرة الجزيرة لقيس و قضاعة و أخلاط مضر، ففارقتهم قضاعة قبل حرب تغلب، و
أرسلت تغلب إلى مهاجريها و هم بأذربيجان، فأتاهم شعيب بن مليل في ألفي فارس.
و استنصر عمير
تميما و أسدا فلم يأته منهم أحد؛ فقال:
أيا أخوينا من تميم هديتما
و من أسد هل تسمعان المناديا
أ لم تعلما مذ جاء بكر بن وائل
و تغلب ألفافا تهزّ العواليا
/ إلى قومكم قد تعلمون
مكانهم
و هم قرب أدنى حاضرين و باديا
و كان من حضر
ذلك من وجوه بكر بن وائل المجشّر بن الحارث بن عامر بن مرّة بن عبد اللّه بن أبي
ربيعة بن ذهل بن شيبان، و كان من سادات شيبان بالجزيرة فأتاهم في جمع كثير من بني
أبي ربيعة. و في ذلك يقول تميم بن الحباب بعد يوم الحشّاك.