خلق
اللّه تعالى وجها و غناء. فقلت له: أنت طفيليّ و تطفّل بي! هذه و اللّه أخسّ [1]
حال. فقال لي: «دع المجون و قم بنا؛ فهو مكان لا يستحي حرّ أن يتطفل عليه. فقمت معه،
فقصد بي دار رجل من فتيان أهل «سرّ من رأى» كان لي صديقا يكنى أبا صالح، و قد
غيّرت كنيته على سبيل اللّقب [2] فكني أبا الصالحات، و كان ظريفا حسن المروءة،
[يضرب بالعود على مذهب الفرس ضربا حسنا] [3]، و له رزق سنيّ في الموالى، و كان من
أولادهم، و لم يكن منزله يخلو من طعام كثير نظيف [4] لكثرة قصد إخوانه منزله.
فلمّا طرق بابه قلت له: فرّجت عنّي، [هذا صديقي] [5] و أنا طفيلي بنفسي لا أحتاج
أن أكون في شفاعة طفيليّ. فدخلنا، و قدّم إلينا طعام عتيد طيّب نظيف فأكلنا، و
أحضرنا النبيذ، و خرجت جاريته [6] إلينا من غير ستارة فغنّت غناء حسنا [7] شكلا
ظريفا، ثم غنّت من صنعة محمد بن الحارث هذا الصوت و كانت قد أخذته عنه- و فيه أيضا
لحن لإبراهيم، و الشعر لابن أبي عيينة-:
صوت
ضيّعت عهد فتى لعهدك حافظ
في حفظه عجب و في تضييعك
إن تقتليه و تذهبي بفؤاده
فبحسن وجهك لا بحسن صنيعك
/ فطرب محمد بن الحارث و نقّطها بدنانير مسيّفة
[8] كانت معه في خريطته، و وجّه غلامه [9] فجاءه ببرنيّة غالية كبيرة [10] فغلّفها
[11] منها و وهب لها الباقي. و كان لمحمد بن الحارث أخ طيّب ظريف يكنى أبا هارون
فطرب و نعر و نخر، و قال لأخيه: أريد أن أقول لك شيئا في السّرّ. قال: قله علانية.
قال: لا يصلح. قال: و اللّه ما بيني و بينك شيء أبالي أن تقوله جهرا، فقله. فقال:
أشتهي علم اللّه أن تسأل أبا [12] الصّالحات أن ينيكني، فعسى صوتي أن ينفتح و يطيب
غنائي. فضحك أبو الصالحات و خجلت الجارية و غطّت وجهها و قالت: سخنت عينك! فإنّ
حديثك يشبه [13] وجهك.