هو محمد بن
الحارث بن بُسخُنَّر، و يكنى أبا جعفر. و هم، فيما يزعمون، موالي المنصور. و أحسبه
ولاء خدمة و لا ولاء عتق. و أصلهم من الرّيّ. و كان محمد يزعم أنّه من ولد بهرام جوبين
[1]. و ولد محمد بالحيرة [2].
و كان يغنّي
مرتجلا، إلا أنّ أصل ما غنّى عليه المعزفة، و كانت تحمل معه إلى دار الخليفة. فمرّ
غلامه بها يوما، فقال قوم كانوا جلوسا على الطريق: مع هذا الغلام مصيدة الفأر، و
قال بعضهم: لا، بل هي [3] معزفة محمد بن الحارث. فحلف يومئذ بالطّلاق و العتاق/
ألّا يغنّي بمعزفة أبدا أنفة من أن تشتبه [4] آلة يغنّي بها بمصيدة الفأر. و كان
محمد أحسن خلق اللّه تعالى أداء و أسرعه أخذا للغناء، و كان لأبيه الحارث بن
بُسخُنَّر جوار محسنات. و كان إسحاق يرضاهنّ و يأمرهنّ أن يطرحن على جواريه. و قال
يوما للمأمون و قد غنّى مخارق بين يديه صوتا فآلتاث [5] غناؤه فيه و جاء به
مضطربا، فقال إسحاق للمأمون: يا أمير المؤمنين، إن مخارقا قد أعجبه صوته و ساء
أداؤه في غنائه، فمره بملازمة جواري الحارث بن بُسخُنَّر حتى يعود إلى ما تريد.
هو أفضل من
أخذ عن إسحاق أصواتا
أخبرني جحظة
قال حدّثني أبو عبد اللّه الهشاميّ [6] قال:
سمعت إسحاق [7]
بن إبراهيم بن مصعب يقول للواثق: قال لي إسحاق بن إبراهيم الموصليّ: ما قدر أحد
قطّ أن يأخذ منّي صوتا مستويا إلّا محمد بن الحارث بن بُسخُنَّر؛/ فإنّه أخذ منّي
عدّة أصوات كما أغنّيها. ثم لم نلبث أن دخل علينا محمد بن الحارث. فقال له الواثق:
حدّثني إسحاق بن إبراهيم عن إسحاق الموصليّ فيك بكذا و كذا.
فقال: قد قال
إسحاق ذاك لي مرّات. فقال له الواثق: فأي شيء أخذت من صنعته أحسن عندك؟ فقال: هو
يزعم أنه لم يأخذ منه أحد قطّ هذا الصوت كما أخذته منه:
[1]
في أكثر الأصول: «إبراهيم جوهر» و الصواب في ط. و بهرام جوبين من ملوك الفرس، كان
في أواخر القرن السادس الميلادي.
[2] كذا في
ط، ح. و في سائر الأصول: «بالكوفة بل بالحيرة».