و ممن صنع من
أولاد الخلفاء فأجاد و أحسن و برع و تقدّم جميع أهل عصره فضلا و شرفا و أدبا و
شعرا و ظرفا و تصرّفا في سائر الآداب أبو العبّاس عبد اللّه بن المعتزّ باللّه.
أدبه و شعره
و دفاع أبي الفرج عن مذهبه في الأدب:
و أمره، مع قرب
عهده بعصرنا هذا، مشهور في فضائله و آدابه شهرة تشرك في أكثر فضائله الخاصّ و
العامّ.
و شعره و إن
كان فيه رقّة الملوكيّة و غزل الظّرفاء و هلهلة المحدثين، فإن فيه أشياء كثيرة
تجري في أسلوب المجيدين و لا تقصر عن مدى السابقين، و أشياء ظريفة من أشعار الملوك
في جنس ما هم بسبيله، ليس عليه أن يتشبّه فيها بفحول الجاهليّة. فليس يمكن واصفا
لصبوح، في مجلس شكل ظريف، بين ندامى و قيان، و على ميادين من النّور و البنفسج و
النّرجس و منضود من أمثال ذلك، إلى غير ما ذكرته من جنس المجالس و فاخر الفرش و
مختار الآلات، و رقّة الخدم، أن يعدل بذلك عما يشبهه من الكلام السّبط [1] الرقيق
الذي يفهمه كلّ من حضر، إلى جعد الكلام و وحشيّه، و إلى وصف البيد و المهامة و الظّبي
و الظّليم [2] و الناقة و الجمل و الديار و القفار و المنازل الخالية المهجورة؛ و
لا إذا عدل عن ذلك و أحسن قيل له مسيء، و لا أن يغمط حقّه كلّه إذا أحسن الكثير و
توسّط في البعض و قصّر في اليسير، و ينسب إلى التقصير في الجميع، لنشر المقابح و
طيّ المحاسن. فلو شاء أن يفعل هذا كلّ أحد بمن تقدّم لوجد مساغا. و لو أنّ قائلا
أراد الطعن على صدور الشعراء، لقد رأى أن يطعن على الأعشى-/ و هو أحد من يقدّمه
الأوائل على سائر الشعراء- بقوله: «فأصاب حبّة قلبه و طحالها [3]».
[3] العيب في
هذا ورود كلمة الطحال فيه و هي مما يأباها الذوق. و قد ورد كلام فيه في هذا الجزء
(ص 81- 82) فراجعه.
[4] كذا في
«لسان العرب» و كتاب «نسب الخيل» لابن الكلبي و كتاب «الشعر و الشعراء» لابن
قتيبة. و اليحموم: اسم فرسه. و القت:
حب بري. و
التعليق: ما تعلفه الدابة من شعير و نحوه. و يسنق: يأكل حتى يصيبه كالبشم. و قد
ورد هذا البيت في ب، س هكذا:
و قد كان يأمر همو كل ليلة
بقت و تعليق فقد كاد يسبق
و في الأصول
المخطوطة:
و قد كان يأمر همو في كل ليلة
يقت و تعليق فقد كاد يسبق
و هما تحريف
و عيب هذا البيت أنه مدح به ملك الحيرة و هو لا يمدح به رجل من خساس الجنود؛ لأنه
ليس من أحد له فرس إلا و هو يعلفه قتا و يقضمه شعيرا. و هذا مديح كالهجاء. و قال
أبو محمد عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة: «و لست أرى هذا عيبا؛ لأن الملوك تعد فرسا
على أقرب الأبواب من مجالسها بسرجه و لجامه خوفا من عدوّ يفجؤها أو أمر ينزل أو
حاجة تعرض لقلب الملك فيريد البدار، فلا يحتاج إلى أن يتلوّم على إسراج فرسه و إلجامه.
و إذا كان واقفا غدى و عشى. فوضع الأعشى هذا المعنى و دل به على ملكه و على حزمه».
(راجع كتاب «الشعر و الشعراء» صفحة 141- 142 طبع أوربا).