فلمّا قرأ
المهديّ رقعته غضب و قال: يا عاضّ كذا من أمّه أيّ قرابة بيني و بينك؟! قال: رحم
آدم و حوّاء، أنسيتهما يا أمير المؤمنين! فضحك و قال: لا و اللّه ما نسيتهما؛ و
أمر بتعجيل ما أجازه به و زاد فيه. و أخبرني بهذا الخبر الحسن بن عليّ قال حدّثنا
الخزاعيّ عن المدائنيّ و زاد فيه قال: و أنشده أيضا في ذمّ الصّوم:
هل في البلاد لرزق اللّه مفترش
أم لا ففي جلده من خشنة برش
- يعني أنّ جلد الرّزق خشن الملمس [1] فهو
يحترش [2] كما يحترش الضّبّ- الشّعر:
أخبرني محمد بن
العبّاس اليزيديّ عن أحمد بن زهير عن الزّبير عن عمّه، و نسخت من كتاب ابن النطّاح
قال اليزيديّ في خبره:
/ دخل أبو
دلامة على ريطة بعد وفاة المهديّ، و قال ابن النطّاح: دخل على أمّ سلمة [4] بنت
يعقوب بن سلمة بعد وفاة أبي العبّاس، و هو الصحيح، فعزّاها به و بكى و بكت معه، ثم
أنشدها:
من مجمل في الصبر عنك فلم يكن
صبري عليك غداة بنت جميلا
يجدون أبدالا به و أنا امرؤ
لو متّ وجدا ما وجدت بديلا
إنّي سألت الناس بعدك كلّهم
فوجدت أجود من سألت بخيلا
فقالت أمّ
سلمة: لم أر أحدا أصيب به غيري و غيرك يا أبا دلامة. فقال: و لا سواء يرحمك اللّه،
لك منه ولد و ما ولدت أنا منه. فضحكت- و لم تكن منذ مات أبو العبّاس ضحكت إلا ذلك
الوقت- و قالت له: لو حدّثت الشيطان لأضحكته.
خدع المهدي
بموت زوجته و خدعت زوجته الخيزران بموته كذلك فضحكا منهما:
أخبرنا محمد بن
يحيى الصّوليّ قال حدّثنا الغلابيّ قال حدّثنا عبد اللّه بن الضحّاك قال:
دخل أبو دلامة
على المهديّ و هو يبكي. فقال له: مالك؟ قال: ماتت أمّ دلامة، و أنشده لنفسه فيها:
[2] احترش
الضب و حرشه: صاده، و هو أن يحرك يده على حجرة لظنه حية فيخرج ذنبه ليضر بها
فيأخذه. و منه المثل: «أ تعلمني بضب أنا حرشته» يخاطب به العالم بالشيء من يريد
تعليمه.
[3] الحرش
(بالتحريك) لغة: الخشونة. يتمنى لو كان بينه و بين الصوم من غلظ الأرض و خزونها ما
يحول دونه.
[4] أم سلمة:
هي أم سلمة المخزومية امرأة الخليفة أبي العباس السفاح، و تزوجها بعده عبد اللّه
بن عبد الحميد المخزومي. (انظر «الأغاني» ج 4 ص 335 من هذه الطبعة).