فضحك لذلك. ثم
غدا أبو دلامة إلى المنصور فألفاه في الرّحبة يصلح فيها شيئا يريده، فأخبره بقصّة
بنته و أنشده البيتين، ثم اندفع فأنشده بعدهما:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم
قوم لقيل اقعدوا يا آل عبّاس
ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلّكم
إلى السماء فأنتم أظهر الناس
و قدّموا القائم المنصور رأسكم
فالعين و الأنف و الأذنان في الرأس
/ فاستحسنها، و قال له: بأيّ شيء تحبّ أن
أعينك على قبح ابنتك هذه؟ فأخرج خريطة قد كان خاطها من الليل فقال: تملأ لي هذه
دراهم، فملئت فوسعت أربعة آلاف درهم.
و قد أخبرني
بهذا الخبر عمّي قال حدّثنا الكرانيّ قال حدّثني العمريّ عن الهيثم بن عديّ قال:
دخل أبو عطاء
السّنديّ يوما إلى أبي دلامة فاحتبسه عنده، و دعا بطعام فأكلا و شبعا، و خرجت إلى
أبي دلامة صبيّة له فحملها على كتفه، فبالت عليه فنبذها عن كتفه، ثم قال:
بللت عليّ- لا حيّيت- ثوبي
فبال عليك شيطان رجيم
فما ولدتك مريم أمّ عيسى
و لا ربّك لقمان الحكيم
ثم التفت إلى
أبي عطاء فقال له: أجز. فقال:
صدقت أبا دلامة لم تلدها
مطهّرة و لا فحل كريم
و لكن قد حوتها أمّ سوء
إلى لبّاتها و أبّ لئيم
فقال له أبو
دلامة: عليك لعنة اللّه! ما حملك على أن بلغت بي هذا كلّه! و اللّه لا أنازعك بيت
شعر أبدا.
فقال أبو عطاء:
لأن يكون الهرب من جهتك أحبّ إليّ.
رثى السفاح
عند المنصور فغضب و أراد إخراجه إلى الحرب فاسترضاه:
أخبرني محمد بن
يحيى قال حدّثني عبد اللّه بن المعتزّ قال حدّثني أبو مالك عبد اللّه بن محمد قال
حدّثني أبي قال:
لمّا توفّي أبو
العبّاس السفّاح دخل أبو دلامة على المنصور و الناس عنده يعزّونه؛ فأنشأ أبو دلامة
يقول:
أمسيت بالأنبار يا ابن محمد
لم تستطع عن عقرها تحويلا
[1]
كذا في ح. و في سائر النسخ: «السندي». و قد رجحنا رواية ح لأن أبا هاشم كنية السيد
الحميري. و سيأتي في الصفحة التالية هذا الخبر بين أبي دلامة و أبي عطاء السندي. فلعل
ذلك هو الذي أوقع النساخ في هذا اللبس.